اقتصادكم - سعد مفكير
يشهد العالم اليوم موجة غير مسبوقة من التحول التكنولوجي، تمسّ مختلف مناحي الحياة، من الاقتصاد والتعليم إلى الصحة والإدارة. هذا التحول لا يُعدّ مجرد إدخال للأدوات الرقمية في العمل اليومي، بل هو نقلة نوعية تُعيد تشكيل طريقة التفكير، وتُعيد بناء العلاقات بين الأفراد والمؤسسات، كما تفتح المجال أمام فرص جديدة للنمو والتنمية في شتى القطاعات.
في ظل هذه الدينامية، تبرز أهمية التكنولوجيا كعامل تمكين وتحرير، قادر على خلق وظائف جديدة، وتحسين جودة الخدمات، وتعزيز الشمول الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في المجتمعات النامية. لكن يبقى السؤال الأساسي: كيف يمكن لهذا التحول أن يُحدث فرقًا حقيقيًا؟ وما الذي يحتاجه الأفراد والمؤسسات للاستفادة من الإمكانات الهائلة التي تتيحها الثورة الرقمية؟
الموضوع استأثر باهتمام معظم فعاليات معرض جيتكس إفريقيا 2025، المنظم بمدينة مراكش ما بين 14 و16 أبريل.
وأكد محمد الراوي، خبير في التحول الرقمي، في تصريح لموقع "اقتصادكم" أن التحول التكنولوجي لا يقتصر على تطوير الأدوات أو تحديثها، بل هو تغيير جذري في أساليب العمل والتفكير والتفاعل.
وأضاف الخبير، على هامش مشاركته في معرض جيتكس إفريقيا 2025، أن أبرز الأبواب التي يفتحها هذا التحول تنطلق من خلق وظائف جديدة ومهن المستقبل بفضل التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، والتكنولوجيا المالية، من قبل محلل البيانات ومطوّر حلول ذكية وخبير في الأمن السيبراني ومدير تجربة المستخدم الرقمية. كما أن هذه المهن تشهد طلبًا متزايدًا، ويتوقع أن يتضاعف الطلب عليها في المستقبل.
بالإضافة إلى تيسير الوصول إلى المعرفة والتكوين وتطوير المقاولات وخلق نماذج أعمال جديدة و تحسين الخدمات العمومية وتمكين الفئات الهشة والمناطق النائية.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن التحول التكنولوجي ليس رفاهية، بل هو فرصة للتنمية الشاملة وتحقيق العدالة الرقمية، شرط أن يكون متاحًا للجميع، ومستدامًا، وموجّهًا نحو خدمة الإنسان.
ومن جانبه، أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، على ضرورة إعادة التفكير وبشكل أعمق في حكامة منظومة التكوين، قصد ملاءمتها مع واقع الابتكار ومتطلبات سوق الشغل.
وشدد السكوري، في مداخلة له خلال ندوة نظمت في إطار فعاليات "جيتكس إفريقيا 2025" تحت عنوان "كيف يمكن للتحول التكنولوجي أن يفتح آفاقا جديدة؟"، على أهمية تمكين الأجيال الجديدة من "براعة فكرية" تتيح لهم الابتكار على مستوى التكنولوجيا والنماذج الاقتصادية على حد سواء، مشيرا في هذا السياق إلى التجارب الرائدة التي تم إطلاقها داخل "مدن الكفاءات"، حيث يساهم ممثلو القطاع الخاص في هيئات حكامة مراكز التكوين، بهدف توجيه البرامج البيداغوجية نحو واقع القطاعات المختلفة.
كما استعرض السكوري مبادرة مبتكرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، تتيح تحليل ديناميات سوق الشغل في الوقت الفعلي، وذلك عبر منصة رقمية تضم خمسة "مدربين رقميين"، تقدم مسارات تعليمية مخصصة وتحدد المهارات الأساسية المطلوبة للمهن الناشئة.
من جانبه، أبرز عماد البركة، المدير الشريك لمركز "ديلويت"، أن الأمن السيبراني يمثل فرصة اقتصادية كبيرة لإفريقيا، تقدر بنحو 1,3 مليار دولار، ضمن سوق عالمية يبلغ حجمها 300 مليار دولار، داعيا إلى تبني رؤية تجعل من القارة الإفريقية مستهلكا ومصدرا في الآن ذاته للخدمات الرقمية، مع التأكيد على الحاجة إلى جذب الاستثمارات وتعزيز بنية مراكز البيانات في القارة.
من جهتها، سلطت ملك مدران، المديرة العامة لشركة "Teal Technology Services"، الضوء على إمكانات الابتكار في إفريقيا، مشيرة في الوقت ذاته إلى مجموعة من التحديات، من بينها الولوج إلى التمويل، والبنيات التحتية، والمنصات العالمية.
ودعت، في هذا الإطار إلى تعزيز حماية المعطيات والملكية الفكرية المرتبطة بالابتكارات الإفريقية.
وأجمع المشاركون في هذا اللقاء على أن التحول التكنولوجي، رغم ما يحمله من تحديات، يشكل فرصة رائعة أمام القارة الإفريقية، شريطة مواكبته بسياسات عمومية طموحة، وحكامة ملائمة، وإدماج فعلي للكفاءات المحلية.