اقتصادكم
يعيش قطاع العقار في المغرب على إيقاع الترقب عقب إعلان الحكومة عزمها استبدال الإعفاءات الضريبية للمطوّرين، المعمول بها حالياً، بمنح دعم مالي مباشر للأُسر العازمة على شراء مسكن بدءاً من السنة المقبلة.
لكن هذه المبادرة، التي يُؤمل أن تحرّك عجلة سوق العقارات السكنية في المملكة، أمامها أربع عقبات، تتمثل بعدم اتفاق الحكومة والشركات حتى الآن على مواصفات وأسعار الوحدات السكنية، وندرة الأراضي المؤهلة لإقامة المباني عليها داخل المدن، وارتفاع تكلفة البناء، بالإضافة إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين بفعل التضخم الذي وصل لمستويات قياسية.
للاستفادة من الدعم المزمع؛ اشترط مشروع قانون المالية 2023 على الراغبين بالحصول على التمويل، أن تكون الوحدة موضع الشراء مسكناً رئيسياً للمواطن، وأن توثّق بالمحافظة العقارية، مع وجود ضمانة للدولة من خلال الرهن لصالحها، على أن تُمنح الأولوية للأسر حديثة التكوين، والشباب المُقبل على الزواج.
واعتبر عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، خلال كلمة أمام البرلمان أخيرا، أنَّ الإعفاءات الضريبية الممنوحة للقطاع العقاري "يصعب تقييم أثرها الاقتصادي والاجتماعي، لذلك جرى اعتماد صيغة الدعم المالي المباشر للأسر"، والتي بلغت قيمتها العام الماضي 6.5 ملايير درهم (حوالي 600 مليون دولار)، وفقاً لبيانات حكومية.
دعم الملاك الجدد
تعتزم الحكومة دعم مُنتوجَيْن جديدين للسكن، الأول بقيمة 600 ألف درهم، أي 60 مليون سنتيم، للطبقة المتوسطة، والثاني بـ300 ألف درهم، أي 30 مليون سنتيم، للأسر الفقيرة. لكنَّ المفاوضات مع المنعشين العقاريين، "لم تسفر لحدّ الساعة عن اتفاق نهائي يحدد شروط البناء والجودة والسعر وهامش الربح، مما يأخذ بالاعتبار ارتفاع مواد البناء"، حسب توفيق كميلي، رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين.
ويؤكد رئيس الفدرالية، الذي يضم كبرى الشركات العقارية في المملكة، لـ"بلومبرغ" أنَّ ارتفاع أسعار مواد البناء "سيؤثر بشكلٍ كبير على المشاريع الجديدة. كما أنَّ توفير السكن الجديد للطبقة المتوسطة يواجه إشكالية ندرة الأراضي الصالحة لتشييد المباني السكنية في المدن".
تشجيع الطلب
وتقوم المقاربة العقارية الجديدة للحكومة على تشجيع الطلب كبديل عن العرض، وإقرار أسعار فائدة أقل على القروض بعد الاتفاق مع البنوك. لكن لم تفصح الحكومة، حتى تاريخه، عن تفاصيل أكثر حول الموضوع، سيما في ظل رفع البنك المركزي لسعر الفائدة إلى 2%، وتخوّف القطاع البنكي من ارتفاع نسبة الديون المتعثرة، خصوصاً ما يخص منها القروض السكنية.
ومنذ بداية السنة، عانى قطاع العقار من ارتفاع أسعار المواد الأولية، والذي تفاقم بفعل الوضع الدولي المضطرب الناتج عن الغزو الروسي لأوكرانيا، ما يدفع بالمطوّرين العقاريين لتمرير الزيادة إلى المشترين. في المقابل، ساهم التضخم المرتفع إلى 8.3% خلال شهر سبتمبر بتراجع رغبة المغاربة في اقتناء المساكن.
ورغم ذلك، يرى أمين مرنيسي، الخبير في القطاع العقاري، أنَّ إمكانية رفع المطوّرين العقاريين لأسعار السكن العام المقبل "أمرٌ غير متاح من قِبل السوق، بالنظر لركود القطاع وتضرّر القدرة الشرائية لدى المغاربة"، نتيجة موجة التضخم المستمر في الارتفاع إلى مستويات قياسية تعدّ الأعلى منذ تسعينيات القرن الماضي.
عجز السكن
وتشير المعطيات الرسمية لوزارة الإسكان إلى أنَّ العجز السكني في المغرب انخفض من 1.2 مليون وحدة في 2002 إلى 368 ألف وحدة نهاية السنة الماضية، لكن يُتوقّع أن يرتفع الرقم مجدداً مع تسارع التوسع الحضري للمدن الكبرى.
وحسب تقديرات حكومية؛ من المرتقب أن يعيش أكثر من 10 ملايين مغربي في مدن متوسطة يتراوح عدد سكانها ما بين 25 ألف نسمة و250 ألف نسمة بحلول 2030. وتشير توقُّعات النمو الديمغرافي إلى أنَّ خمُس المدن المتوسطة سيتخطى عتبة ربع مليون نسمة لتصبح مدناً كبرى.
واعتبر مرنيسي في تصريح لـ"بلومبرغ" أنَّ "رفع أسعار العقار سيكون غير منطقي أمام الطلب الضعيف بسبب تضرّر القدرة الشرائية للمواطنين منذ أزمة كورونا وصولاً إلى تداعيات التضخم". ونتيجة ذلك؛ رجّحت شريحة من المطوّرين العقاريين عدم الانخراط في عملية بناء المساكن المدعومة من قِبل الدولة.
ويطرح المنعشون العقلريون، خصوصاً الصغار منهم، إشكالية غياب الرؤية حول هامش الربح المتاح للمنتج السكني الذي تقترحه الحكومة، مع ارتفاع التكاليف المرتبطة بالبناء، وعودة الضرائب التي كانوا معفيين منها في السابق، مما قد يسفر عن زيادة في السعر النهائي ليتجاوز السقف المحدد من قبل الحكومة.
وينوّه توفيق كميلي بأنَّ "عدم إفصاح الحكومة بعد عن شروط البناء فيما يخص المساكن المدعومة، خلق ارتباكاً لناحية الاستثمار بمشاريع التطوير العقاري، ودفع القطاع إلى حالة الترقب". موضحا أنَّ الوحدات السكنية التي كانت تدعمها الحكومة في السابق لفائدة الأسر الفقيرة، تُباع بـ250 ألف درهم، كونها معفاة من ضرائب تمثل 20% من ثمنها، أي حوالي 50 ألف درهم.
تكاليف البناء
يقبع قطاع العقار في المغرب حالياً بين مطرقة ارتفاع التكلفة وسندان ضعف الطلب. وبناء عليه؛ يرى الخبير مرنيسي أنَّ "رفع الأسعار سيكون مبرراً لو كنا نعيش انتعاشاً في الطلب، لكن الحال اليوم أنَّ اقتناء المسكن ليس أولوية لدى المواطنين الذين يكابدون لتأمين الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية".
ثمة إشكالٌ آخر يواجه المطوّرين العقاريين الذي يتمثل في قلّة الأراضي المتوفرة لبناء الوحدات السكنية الجديدة، إذ إنَّ الطبقة المتوسطة تفضل السكن وسط المدينة، قرب مراكز العمل، في وقتٍ تعاني كبرى المدن مثل الرباط والدار البيضاء من اكتظاظ هائل.
ويبقى الرهان على توافق الحكومة مع الشركات العقارية بخصوص السكن الجديد المدعّم، مما سيدعم الطلب على اقتناء العقارات خلال العام المقبل، وهو ما يتفق عليه رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، والخبير العقاري.