“الجوطية”.. اقتصاد مواز يدر الملايين ويقاوم رغم الصعوبات

الاقتصاد الوطني - 21-07-2025

“الجوطية”.. اقتصاد مواز يدر الملايين ويقاوم رغم الصعوبات

اقتصادكم - حنان الزيتوني

"ما كاينش أسبوع كنمشي فيه بالخاوي.. البال فيه الخير بزاف"، بهذه الجملة افتتح الحاج رشيد، تاجر ملابس مستعملة بسوق درب السلطان بالدار البيضاء، حديثه مع موقع "اقتصادكم"، وهو ينظم قطعا من الجاكيتات فوق طاولة خشبية مهترئة، لكن الزبائن يتهافتون حولها كأنها واجهة متجر فاخر. 

ورغم النظرة التقليدية التي كانت مرتبطة بتجارة "الجوطية"، فإنها اليوم تشكل قطاعا اقتصاديا غير مهيكل، لكنه فعال وحيوي، يوفر مصدر رزق لآلاف العائلات في المغرب، ويضخ مبالغ مالية كبيرة داخل دورة الاستهلاك الشعبي.

اقتصاد غير مرئي.. لكنه حاضر بقوة

يقول الحاج رشيد إن "البال" ليس مجرد تجارة عابرة، بل أصبح مع الوقت نشاطا اقتصاديا قائما بذاته: "الربح ماشي ثابت ولكن كاين.. كاينين أيام كنربح فيها مليون، وأيام كنخسر وهاد الشي هو باش عايش أنا وولادي وعائلتي".

وأشار المتحدث ذاته إلى أن الإقبال على "البال" لا ينقطع طيلة السنة، لكنه يعرف ذروته خلال فصل الصيف، بسبب الإقبال الكبير على الملابس الخفيفة، مثل التيشيرتات، السراويل القطنية، الفساتين الصيفية، والأحذية المفتوحة، خصوصا تلك القادمة من أوروبا والتي تعرض بجودة عالية وأسعار مغرية.

ومن جهة أخرى تفيد مجموعة من التقارير، أن المغرب يستورد سنويا أكثر من 30 ألف طن من الملابس المستعملة من دول أوروبية، خاصة بلجيكا، فرنسا، وإيطاليا، ليتم تصريفها عبر أسواق "الجوطية" المنتشرة في الدار البيضاء، فاس، طنجة، سلا، وأكادير ومدن أخرى.

ورغم الدينامية الكبيرة التي يعرفها القطاع، إلا أن التجار يعانون من غياب تنظيم رسمي وتأطير قانوني، ما يجعلهم في مواجهة مخاطر عديدة.

وفي هذا الصدد يقول ياسين.ب، تاجر شاب في أحد أسواق "الجوطية" بالبيضاء: "السلعة ما كتدخلش دايما بسهولة.. كاين الخوف من الجمارك، وكاين حتى الصداع ديال المساومة والخسارة فالقطعة".

ويضيف أن تذبذب العرض والطلب، وارتفاع تكاليف النقل والتخزين، كلها عوامل تؤثر على استقرار المداخيل.

“البال”.. موضة بأسعار معقولة

ومن جهتها، تقول منال، موظفة وأم لطفلين، إنها تفضل التسوق في "الجوطية" لأسباب عملية: "ماشي مسألة فقر، ولكن كاين تنوع وجودة، وبثمن معقول.. أنا كنعرف نختار وكنلقى ماركات معروفة بنص الثمن أو أقل".

وتابعت منال في حديثها للموقع، أن الموضة لا تقتصر على المتاجر الكبرى أو المراكز التجارية، بل إن كثيرا من الأزياء الرائجة أصلها من أسواق "البال": "السر هو النظافة، والمعرفة بالثوب، والصبر.. ومن بعد، حتى لو شريتي من البال كتكوني لابسة بحال لا لابسا حوايج جداد".

ومن قلب الأسواق التي أصبحت ملاذا آمنا لتجار "الجوطية"، تحول هذا النشاط من تجارة هامشية إلى رافد اقتصادي شعبي، يسهم في تشغيل آلاف الأشخاص، ويوفر خيارات استهلاكية واسعة للمواطنين، خاصة في ظل الارتفاع المتواصل لتكاليف المعيشة.

ورغم ضعف التأطير وغياب الهيكلة الرسمية، فإن الدينامية المتنامية لهذا القطاع تطرح تساؤلات جادة حول إمكانية إدماجه قانونيا وإداريا، بما يحفظ كرامة العاملين فيه، ويعزز مساهمته في الاقتصاد الوطني. ويبقى السؤال المطروح: هل آن الأوان لانتقال "الجوطية" من اقتصاد ظل إلى ركن معترف به ضمن الخريطة التجارية ؟.