اقتصادكم
عاد "بيزنس" تعشير السيارات المستعملة إلى الانتعاش، بعدما تجاوز الطلب على السيارات الجديدة والمستعملة على حد سواء العرض في السوق، بسبب تراجع واردات الموزعين وانخفاض إنتاج السيارات على المستوى العالمي، بعلاقة مع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، واضطراب إمدادات أجزاء السيارات وقطع الغيار.
في حي "سباتة" الشعبي بمدينة الدار البيضاء، ترابط عشرات السيارات المستعملة بأحد الشوارع الرئيسية للحي، في انتظار مشتر. حركة بطيئة بالزقاق يكسرها بين الفينة والأخرى أصوات الميكانيكيين والكهربائيين، الذين يعملون بمنطق "الورشة المتنقلة" لإصلاح ما أفسده الدهر في هذه السيارة أو تلك. يقول عبد اللطيف، الميكانيكي، ساخطا، "كنا في الماضي نستخلص رزقنا من هذا الزقاق، إلا أن الركود هيمن على أنشطة السوق، بسبب عدم وجود عدد كاف من معروضات السيارات، اللهم تلك المعشرة والتي يرتفع سعرها إلى مستويات قياسية حاليا".
عبد اللطيف وغيره من ميكانيكي الشارع، تأثروا سلبا بنقص معروضات سوق السيارات الشعبي، وفقدوا زبنائهم الذين تحولوا من السوق المحسوسة إلى الرقمية، بحثا عن السيارات المعشرة، إذ وجدوا ضالتهم في صالات عرض مفتوحة على الأنترنت، تتيح لهم البحث عن سيارتهم والاستقصاء حول مميزاتها عبرة نقرة في هذا الموقع أو ذالك. ثورة رقمية استغلها المستهلك الذي لطالما كانت السيارات المستعملة قبلته الأولى عند اتخاذ قرار الشراء، قبل أن تتغير هذه الثقافة الاستهلاكية أخيرا، نتيجة مجموعة عوامل داخلية وخارجية، إذ صارت السيارة الجديدة استثمارا أكثر ربحا وتوفيرا مقارنة مع تلك المستعملة، التي أصبحت هي الأخرى جزءا من المنظومة التجارية للموزعين والشركات المصنعة.
واتخذت تجارة السيارات المستعملة منحى متطورا، أصبح تجار هذا الصنف من السيارات منتظمين في مساحات عرض مهيكلة، فيما تحولت عملية البيع والشراء المباشرة من الزقاق إلى صفحات الأنترنت، من خلال تسويق التجار لسياراتهم في مواقع إلكترونية أصبحت مخصصة لهذا الغرض.
وإذا كان الركود ضرب أنشطة الأسواق الشعبية، بسبب تراجع المعروض، وارتفاع أسعار السيارات المعشرة، فقد أرخى بظلاله على أنشطة السماسرة والوسطاء، ويؤكد أحمد ، سمسار، بهذا الخصوص، أن مصدر رزقهم في سوق "سباتة" للسيارات بات مهددا بسبب المواقع الالكترونية الخاصة ببيع السيارات المستعملة، خصوصا المعشرة منها، الشيء الذي فرض التحول إلى هذه الوسيلة التكنولوجية من أجل تسويق سلعهم من السيارات، وتصيد فرص الربح، وهنا يوضح المصدر ذاته بالقول، إنه "أصبح هناك صيادو الهميزات"، والمقصود بذلك فئة جديدة من السماسرة المرابطة خلف شاشة الحاسوب تتصفح مواقع البيع الالكتروني، واقتناص العروض والفرص التجارية المربحة.
وأظهرت واردات المركبات المستعملة تحديدا، بلوغ عددها 11.486 مركبة في 2022، بارتفاع نسبته 46 % مقارنة مع 2021. هذا المنحى التصاعدي امتد إلى الفصل الأول من 2023، بزيادة نسبتها 166 %، مقارنة مع الفصل الأول من 2022. يتعلق الأمر بـ2.929 مركبة مستوردة.
هذه الأرقام انتعاش أنشطة سوق السيارات المستعملة، المستوردة من أوربا، رغم مقتضيات المرسوم رقم 2.10.421 المتعلق بتطبيق مقتضيات قانون مدونة السير رقم 52.05، بشأن هذا النوع من المركبات، التي قيدت إجراءات تعشير هذه السيارات لدى المصالح الجمركية، بالإدلاء بشهادة المصادقة التي يسلمها المركز الوطني لإجراء الاختبارات والتصديق.
وفي هذا الإطار، تشير المادة 96 من المرسوم، التي تحدد المركبات التي تتم المصادقة عليها بشكل منفرد، إلى أن من ضمن هذه المركبات، تلك المستعملة المستوردة من الخارج التي يقل عمرها عن خمس سنوات، غير أن المرسوم نص على إمكانية اتخاذ مقتضيات خاصة تتعلق بالمغاربة المقيمين بالخارج.
ويستهدف إجراء عدم المصادقة على السيارات، التي يصل عمرها خمس سنوات وأكثر، في المقام الأول، إلى ضمان السلامة الطرقية، إذ عندما يتعدى عمر السيارة خمس سنوات ترتفع نسبة المخاطر التي قد يتسبب فيها تقادم أجهزتها، كما أنها تصبح أكثر تلويثا للبيئة. إضافة إلى أن السماح المفرط للسيارات المستعملة المستوردة من الخارج من شأنه أن ينعكس سلبا على الوكلاء الذين يستوردون السيارات جديدة الصنع.
ويفضل أغلب المستهلكين اقتناء السيارات المستعملة المستوردة من أوربا على اقتناء سيارات جديدة، بالنظر إلى أنها تحافظ على قيمتها، ذلك أن السيارات المستوردة من أوربا تحوي مجموعة من المزايا، وتتسم بالجودة لأنها قادمة من بلد المنشأ.