اقتصادكم
في وقت تشهد فيه إفريقيا تحولاً استراتيجياً في بنيتها التحتية، بدا واضحا للمراقبين أن المغرب يقدم نفسه كنموذج محوري للتعاون البنّاء بين الدول الإفريقية والمؤسسات المالية الدولية. ويأتي إعلان بنك ستاندرد تشارترد البريطاني عن نيته افتتاح فرع جديد في المغرب ليؤكد مجدداً على الأهمية المتزايدة للمملكة كمركز إقليمي للتمويل المستدام ومشروعات البنية التحتية التحولية.
ويُعد بنك ستاندرد تشارترد من البنوك الرائدة عالمياً في تمويل مشاريع البنية التحتية والطاقة والمرافق والتحول الطاقي. وخلال العقدين الماضيين، بنى البنك شبكة قوية من الشراكات مع الحكومات والجهات الراعية للمشروعات، وحقق نجاحاً في قطاعات حيوية كالنقل والطاقة والبنية التحتية الاجتماعية، ما أهّله ليحصد مؤخراً لقب أفضل بنك للبنية التحتية في إفريقيا والشرق الأوسط من مؤسسة Project Finance International.
وأكد عباس حسين، رئيس مجموعة تمويل البنية التحتية والتنمية العالمية في ستاندرد تشارترد في مقال نشره على موقع "African Business"، أن المغرب من بين أبرز النماذج التي يدعمها البنك في القارة، لا سيما عبر مشروع نور ورزازات للطاقة الشمسية، أحد أكبر مشاريع الطاقة المتجددة في العالم. وقد تم تمويل هذا المشروع من خلال نموذج تمويل مبتكر يجمع بين القطاعين العام والخاص (PPP)، مع مساهمة مؤسسات دولية متعددة الأطراف، مما أتاح تعبئة رأس المال وتقليل المخاطر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما جرى في مشروع طاقة الرياح في بحيرة توركانا في كينيا، ومشروع طاقة الرياح في السويس.
يشكل هذا المشروع دليلاً واضحاً على أن المغرب لا يُنظر إليه فقط كمستهلك للطاقة النظيفة، بل كمصدر ومُصدّر إقليمي للابتكار في قطاع الطاقة.
أهمية افتتاح فرع جديد في المغرب
مع استعداد البنك لافتتاح فرعه الجديد بالمملكة المغربية، يُنتظر أن يُعزز ذلك من مكانة المغرب كمركز مالي إقليمي لتمويل البنية التحتية والمشاريع الخضراء. وسيُمكّن هذا التواجد المحلي البنك من دعم مشاريع ذات تأثير مباشر على النمو الاقتصادي، وتسهيل الوصول إلى حلول تمويلية مبتكرة لمشاريع الطاقة المتجددة، التحول الرقمي، النقل، ومعالجة المياه.
كما يفتح الباب أمام تعزيز الشراكة مع مؤسسات مغربية مثل الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (MASEN) والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والتي تلعب دوراً مركزياً في مشاريع التحول الطاقي داخل المملكة وخارجها.
تمويل مستدام متكامل
وأضاف صاحب المقال أن بنك ستاندرد تشارترد يولي أهمية كبرى للتمويل المستدام، حيث يتجه نحو تعزيز القروض المرتبطة بالاستدامة (Sustainability-Linked Loans) في إفريقيا، بما في ذلك المغرب، مع التركيز على الطاقة النظيفة، المياه، والتعليم. وتجسيداً لهذا الالتزام، دعم البنك مشاريع مثل مشروع المياه النظيفة في أنغولا، وتوسيع البنية التحتية التعليمية في غانا، ويُتوقع أن تشهد المملكة مشاريع مماثلة في السنوات المقبلة.
المغرب في قلب استراتيجية التحول الإفريقي
في ظل التحديات التي تواجه القارة، من فجوة التمويل التي تتراوح بين 68 و108 مليار دولار سنوياً، إلى تقلبات العملة والمخاطر التنظيمية، يُمثّل المغرب نقطة انطلاق آمنة وجاذبة لرأس المال الدولي، بفضل استقراره السياسي، وشفافيته التنظيمية، ورؤيته الواضحة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
ويُعزز هذا التوجه التزام المغرب بخطط الانتقال الطاقي العادل، والتي تُعطي الأولوية للطاقة المتجددة، وخلق فرص العمل، والاندماج المجتمعي، مما يجعله نموذجاً إفريقياً يُحتذى به في مجال التمويل الأخضر والمشروعات البنيوية الضخمة.