اقتصادكم
رغم الريادة الإقليمية التي حققها المغرب في مجال الطاقات المتجددة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التأخر في تفعيل استراتيجية الانتقال الطاقي يثير قلقاً متزايداً بين الفاعلين، حيث دق خبراء ناقوس الخطر، مطالبين بالإسراع في وتيرة الإصلاحات من أجل الحفاظ على مكانة المملكة كفاعل مناخي إقليمي وتقليص تبعيتها الطاقية للخارج.
فمنذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية للطاقة سنة 2009 قطع المغرب خطوات مهمة جعلته في طليعة الدول الإفريقية في مجال الطاقات المتجددة، مدعوماً بمشاريع ضخمة كمركب "نور" للطاقة الشمسية بورزازات، ومزارع الرياح في طرفاية.
لكن، وعلى الرغم من هذه الإنجازات، يرى العديد من المتخصصين أن الزخم بدأ يفتر، مشيرين إلى مؤشرات مقلقة، أبرزها تراجع تصنيف المغرب في مؤشر الانتقال الطاقي إلى المرتبة 70 عالمياً، والمرتبة 10 إفريقيا على مستوى الصناعة الخضراء.
أهداف طموحة في الأفق… والتنفيذ متعثر
تهدف المملكة إلى بلوغ نسبة 52% من الطاقات المتجددة ضمن المزيج الكهربائي بحلول عام 2030. ويتوقع بعض الخبراء أن يتحقق هذا الهدف في أفق سنة 2027، بفضل التطور التكنولوجي في مجالي الطاقة الشمسية والريحية، حيث أصبح الكيلوواط/ساعة المنتج عبر الرياح أرخص من نظيره الناتج عن الفحم أو النفط.
مع ذلك، يبقى تنفيذ باقي محاور الاستراتيجية دون المستوى، خصوصاً أن الاستراتيجية الوطنية منخفضة الكربون (SNBC)، التي تم إعدادها بمشاركة أكثر من 350 خبيراً، ورُفعت إلى مؤتمر المناخ "كوب 28"، لم يتم بعد اعتمادها رسمياً أو إيداعها لدى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، رغم أن 76 دولة، من ضمنها دول تعاني صراعات، كلبنان، فعلت ذلك.
إشكالية التطبيق: قوانين على الورق فقط
يؤكد تقرير الخبراء أن المغرب يعاني من فجوة مقلقة بين الإطار القانوني المتقدم (بلغ 72%) والتنزيل العملي، خاصة في مجالات الابتكار (33%)، وتكوين الكفاءات في المجال الطاقي (18%).
ورصدت تقارير رسمية، من بينها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، هذا الخلل، مشيرة إلى وجود "فجوة كبيرة بين جودة الاستراتيجيات الوطنية والتطبيق الفعلي لها على أرض الواقع".
عقبات ميدانية… ومقارنات لافتة
واحدة من أبرز الأمثلة على تعثر التنفيذ هو مشروع اللامركزية الطاقية. فبينما تتيح دول كـتونس للمواطنين إنتاج طاقتهم وربطها بالشبكة، لا يزال المغرب يواجه عراقيل إدارية وتقنية تحول دون ذلك.
كما أن الاستهلاك الطاقي في المباني السكنية يمثل 65% من الاستهلاك الوطني، بسبب غياب العزل الحراري واعتماد المدن على التكييف الفردي، عوض الحلول العمرانية المناخية المستدامة.
أما في قطاع النقل، فتحتل السيارات الخاصة المشهد، خصوصاً في المدن الكبرى كالدار البيضاء، حيث يخصص 40% من الفضاء الحضري للسيارات، في غياب رؤية واضحة لدعم النقل العمومي والبدائل متعددة الوسائط.
تكلفة باهظة للارتهان الطاقي
رغم الجهود المبذولة، ما يزال المغرب يستورد 81% من حاجياته الطاقية، ما يكلفه سنوياً أكثر من 120 مليار درهم، بعدما بلغت فاتورة 2023 حوالي 150 مليار درهم.
وتبقى مساهمة البحث العلمي في هذا القطاع ضعيفة، حيث لا تتجاوز مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحث الطاقي نسبة 0,2% من الناتج الداخلي الخام، مقارنة بـ 1,5% كمعدل عالمي، مما يضعف من فرص تطوير منظومات طاقية وطنية قائمة على الابتكار والاستدامة.
عن "Finances News" بتصرف