اقتصادكم - نهاد بجاج
سجل المغرب دينامية ملحوظة في مجال إحداث المقاولات خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2025، إذ بلغ عدد المقاولات التي تم تأسيسها 48.862 مقاولة، بحسب بيانات المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، ويعكس هذا الرقم نموا سنويا بـ21% مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، في مؤشر واضح على حيوية النسيج الاقتصادي الوطني، خاصة في القطاعات غير الفلاحية.
التجارة في الصدارة.. وتفاوت جهوي ملحوظ
ووفقًا لمعطيات "بارومتر إحداث المقاولات"، يتصدر القطاع التجاري قائمة الأنشطة الاقتصادية الأكثر استقطابا للمقاولين، بنسبة 36,63% من مجموع المقاولات المحدثة، يليه قطاع البناء والأشغال العمومية والأنشطة العقارية (19,57%)، ثم الخدمات المتنوعة (17,06%)، فالنقل والصناعات والمطاعم والفندقة بنسب متفاوتة. أما قطاع الفلاحة والصيد البحري، فلم تتجاوز حصته 1,9% فقط.
من حيث التوزيع الجهوي، جاءت جهة الدار البيضاء – سطات في الصدارة بـ15.229 مقاولة جديدة، متبوعة بجهتي طنجة – تطوان – الحسيمة (6.231)، والرباط – سلا – القنيطرة (6.177)، بينما سجلت جهتا كلميم – واد نون ودرعة – تافيلالت أقل الأرقام.
في تحليله لهذه الدينامية، يعتبر يوسف كراوي الفيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن هذه الأرقام تعكس حركية اقتصادية مهمة ترتكز أساسا على القطاعات التجارية والصناعية والخدماتية. إلا أنه يُحذر في الوقت ذاته من هشاشة النسيج المقاولاتي، مشيرا إلى أن نحو 16 ألف مقاولة تعلن إفلاسها سنويا، معظمها من المقاولات الصغيرة والصغيرة جدًا.
ويرجع الفيلالي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، هذا الوضع إلى كون أغلب المقاولات المحدثة تنتمي إلى فئة "الشركات ذات المسؤولية المحدودة بشريك وحيد"، وهي شركات تؤسس غالبًا استجابة لفرص اقتصادية ظرفية، كتظاهرات كبرى أو مشاريع وقتية، وقد لا تضمن الاستمرارية بعد انقضاء تلك الفرص، بسبب ضعف الإمكانيات وتقييد أفق أنشطتها.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي محمد جدري، أن الارتفاع المسجل في عدد المقاولات يترجم دينامية اقتصادية حقيقية، تغذيها مشاريع البنية التحتية الكبرى، وانتعاش قطاعات حيوية مثل السياحة والصناعة التقليدية، إلى جانب الحركية المرتبطة بالتحضير لتنظيم كأس العالم 2030.
ويضيف جدري، لموقع "اقتصادكم"، أن تراجع موجة التضخم، وتحسن القدرة الشرائية بفضل نتائج الحوار الاجتماعي، ساعدا في تحفيز الطلب الداخلي، مما شجع بدوره المستثمرين على خوض غمار ريادة الأعمال. كما أن الميثاق الجديد للاستثمار يوفر أرضية أكثر جذبا للمبادرة المقاولاتية، من خلال تحفيزات مالية ومواكبة مؤسساتية.
نحو مقاولات مستدامة.. لا ظرفية
رغم المؤشرات الإيجابية، يجمع الخبراء على أن تحدي استدامة المقاولات الناشئة يظل مطروحا بقوة، ويتطلب مواكبة فعالة لهذه الكيانات في مراحلها الأولى، وتوجيهها نحو نماذج اقتصادية قائمة على الابتكار والقيمة المضافة، عوض الاكتفاء بأجندات ظرفية قد تنتهي بانتهاء مناسبات أو فرص عابرة.
ففي نهاية المطاف، لا يكفي إحداث المقاولات كمؤشر على الحركية الاقتصادية، بل الأهم هو ضمان قدرتها على الاستمرار، والاضطلاع بدورها كرافعة حقيقية للتنمية، من خلال إحداث الثروة وتوفير مناصب الشغل المستدامة.