اقتصادكم - حنان الزيتوني
بين الطموح الاقتصادي والتحول التكنولوجي، يضع المغرب خيار الدفع الالكتروني في صلب استراتيجيته الهادفة إلى بناء اقتصاد أكثر شفافية وشمولا، وعلى الرغم من تعدد المبادرات الحكومية لتوسيع استخدام الأداءات الرقمية، لا تزال تحديات ثقافية وتقنية تعيق تعميمها، خاصة لدى التجار الصغار والمقاولات التقليدية.
التحدي الثقافي
وفي هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي المهدي فقير أن “العديد من أنماط التعامل الاقتصادي والمجتمعي ما تزال رهينة اعتبارات ثقافية وذهنيات تقليدية، حيث يظل التعامل بالنقد مقدسا لدى البعض، وسط تخوفات وتوجسات من المعاملات الرقمية".
ويضيف فقير، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن تغيير هذه الأنماط السلوكية يتطلب مجهودا عميقا من المؤسسات المعنية، وعلى رأسها بنك المغرب، الذي يتوفر على استراتيجيات واضحة للشمول المالي والنقدي.
ويشدد الخبير ذاته على أن الرقمنة ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة يتعين أن تواكبها مقاربات اجتماعية واقتصادية تأخذ بعين الاعتبار الواقع السوسيو-ثقافي المغربي.
كما يرى فقير أن “المغرب يمتلك كل الإمكانات والهوامش الضرورية للقيام بثورة رقمية، لكن التحدي الحقيقي يكمن في كسر العقليات السائدة وأحكام القيمة المتجذرة".
تحول تدريجي
وفي خطوة لافتة على هذا المسار، سبق وأعلن مجلس المنافسة عن إنهاء احتكار مركز النقديات (CMI) والبنوك التسعة المرتبطة به لسوق الدفع الإلكتروني، سواء عبر أجهزة الأداء الإلكتروني المعروفة بـ“TPE”، أو من خلال الأداء عبر الإنترنت باستخدام البطاقة البنكية "PEL".
وقد جاءت هذه الخطوة عقب شكاية تقدمت بها شركة “نابس (NAPS SA)” ضد مركز النقديات، بسبب ممارسات اعتبرت منافية لقواعد المنافسة، رغم تحرير القطاع منذ سنة 2015، والتزمت الأطراف المعنية بمجموعة من الإجراءات لتعزيز التنافسية داخل هذا السوق.
ويندرج هذا التحرك ضمن الجهود الوطنية الرامية إلى تقليص الاعتماد على النقد، وتعزيز الشفافية ومكافحة الاقتصاد غير المهيكل والتهرب الضريبي، مع توفير الدعم التقني والتكوين لفائدة التجار، وخصوصا الصغار منهم.
نحو شمول مالي
وفي سياق مواز، تراهن الحكومة على توسيع قاعدة الدفع الإلكتروني من خلال تعميم أجهزة " TPE" في صفوف التجار، ضمن إطار استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” التي تسعى إلى دعم الاقتصاد الوطني عبر التحول الرقمي.
ومع دخول هذا القرار حيز التنفيذ سنة 2025، ينتظر أن يحدث تحولا ملموسا في طريقة تدبير المعاملات التجارية، مع تحسين الأمان المالي وتقليص المخاطر المرتبطة بالنقد مثل السرقة أو التلاعب.
ويسير هذا النظام الجديد في إدماج آلاف التجار في الدورة الاقتصادية الرسمية، ويدفع تدريجيا نحو اقتصاد أكثر عدلا وشفافية، يواكب طموحات المملكة في بناء مجتمع رقمي متكامل ومزدهر.