معركة ضد التهريب والتقليد.. حملات جمركية تكشف عمق الاقتصاد غير المهيكل بـ"القريعة"

الاقتصاد الوطني - 07-07-2025

معركة ضد التهريب والتقليد.. حملات جمركية تكشف عمق الاقتصاد غير المهيكل بـ"القريعة"

اقتصادكم - حنان الزيتوني

 

في مشهد لم يعد نادرا، استيقظ تجار سوق "القريعة" بالعاصمة الاقتصادية على وقع حملة جمركية دقيقة نفذتها، بشكل متزامن، فرق من المفتشين والمراقبين التابعين لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وتندرج هذه العملية في سياق مقاربة جديدة تستهدف إعادة التوازن إلى سوق الاستهلاك المحلي، عبر ضرب معاقل المنتجات المقلدة ومظاهر التهرب الضريبي، دون المساس بالقدرة الشرائية للمواطن أو استقرار الشغل في الأوساط الشعبية.

اقتصاد مواز يتحدى القانون

جدير بالذكر، أن سوق القريعة، أحد أقدم وأكبر الأسواق المفتوحة في المغرب، تحول منذ سنوات إلى منصة لترويج سلع تحمل علامات تجارية عالمية شهيرة، لكن بأسعار لا تعكس بأي شكل من الأشكال قيمتها الأصلية. وهو ما دفع عددا من الفاعلين الاقتصاديين إلى دق ناقوس الخطر، معتبرين أن "الاقتصاد غير المهيكل الذي ينمو تحت عتبات التنظيم الجمركي يشكل أحد أبرز معيقات الاستثمار".

وفي هذا الصدد، صرح بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن هذه الحملات لا تستهدف التجار في حد ذاتهم، بل البنية غير القانونية التي تسمح بتوريد وتوزيع منتجات مقلدة، غالبا ما تمر عبر شبكات معقدة تمتد من موانئ الاستيراد إلى واجهات البيع بالتقسيط.

"المسألة تتعلق باقتصاد مواز يضر بالصناعة الوطنية ويقوض عدالة المنافسة، ما يعني أن التساهل معه هو في الواقع ضربة مزدوجة للمستهلك والمنتج معا"، يوضح الخراطي في تصريح لموقع "اقتصادكم".

تحولات في السياسة الجمركية

ما يميز الحملة الحالية، بحسب مصادر مطلعة، هو اعتمادها على قواعد بيانات رقمية تمكن من تتبع المسارات المشبوهة للسلع، عوض الاكتفاء بمداهمات عشوائية. هذه الآلية الجديدة تعكس انتقالا تدريجيا نحو مراقبة ذكية ترتكز على التحليل الاقتصادي والتجاري، وهو ما قد يفضي، بحسب الخبراء، إلى تقليص كبير في حجم المنتجات المغشوشة دون حاجة إلى توترات ميدانية.

ومن جانب آخر، لا تخفى تعقيدات هذه التدخلات على السلطات، لا سيما في ظل تشابك الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية. فمعظم الباعة الصغار داخل سوق القريعة، يعملون في ظروف هشة ولا يمتلكون بدائل واضحة في حال تم فرض إجراءات صارمة.

وفي هذا السياق، يرى الخراطي، أن الدولة مطالبة بتوفير صيغ انتقالية، منها "التحفيز على التعاقد مع التعاونيات التجارية أو دمج المهنيين في سوق بيع منظمة بشروط ميسرة"، تفاديا لانزلاقات اجتماعية تهدد التماسك المجتمعي.

الحجم الحقيقي للمشكل

ومن جهة أخرى سبق وأفادت اللجنة الوطنية لمحاربة التقليد والقرصنة "CONPIAC" أن الاقتصاد المغربي يتكبد سنويا خسائر تتراوح بين 6 و12 مليار درهم بسبب انتشار السلع المقلدة، وهو ما يعادل حوالي 1.3٪ من الناتج الداخلي الخام الوطني.

 وتشمل هذه الخسائر تأثيرات مباشرة على المقاولات القانونية، وتراجع في حجم الاستثمارات، إضافة إلى فقدان ما يقارب 1 مليار درهم من العائدات الجبائية التي تفترض أن تعود إلى خزينة الدولة.

وفي هذا الإطار، دعا عدد من الفاعلين إلى إطلاق برنامج وطني لتحويل الأسواق التقليدية إلى منصات تجارية منظمة، من خلال توفير تجهيزات قانونية، ووضع آليات تمويل بديلة، تكون موجهة خصيصا للفئات التي تعتمد على تجارة السلع منخفضة الكلفة كمصدر وحيد للعيش.