اقتصادكم
يُعَدّ الركود التضخمي الخطر الأساسي الذي يتهدد الاقتصاد العالمي في 2023، حسب المستثمرين الذين قالوا إنّ الآمال في حدوث انتعاشة عقب التراجع العنيف العام الجاري أمر سابق لأونه.
وقال نحو نصف المشاركين في أحدث استطلاعات "إم إل آي في بلس"، الذين يبلغ عددهم 388 شخصاً، إنّ السيناريو الذي يستمرّ من خلاله النمو في التراجع فيما يبقى التضخم مرتفعاً سيهيمن على العالم السنة المقبلة. النتيجة الثانية الأكثر احتمالًا هي الركود الانكماشي، فيما يُعَدّ سيناريو الانتعاش الاقتصادي مع زيادة التضخم هو الأقل احتمالاً.
وتشير النتائج إلى وجود سنة إضافية مليئة بالتحديات التي تواجه الأصول عالية المخاطر عقب تشديد البنك المركزي السياسة النقدية، وزيادة معدلات التضخم وتأثير الغزو الروسي لأوكرانيا، مما أسفر عن حدوث أسوأ تراجع لأسواق الأسهم منذ الأزمة المالية العالمية.
وفي ظل هذه الخلفية الاقتصادية القاتمة ومع انتعاش الأسهم خلال الربع الأخير من العام الجاري، أكد ما يفوق نسبة 60% من المشاركين باستطلاع الرأي أن المستثمرين على مستوى العالم ما زالوا يشعرون بالتفاؤل تماماً إزاء أسعار الأصول.
وأوضحت نيكول كورنيتسر، مديرة محفظة أصول بصندوق استثمار "بوفالو إنترناشيونال" التابع لشركة "كورنيتسر كابيتال مانجمنت" (Kornitzer Capital Management)، التي تشرف على إدارة أصول بقيمة 6 مليارات دولار: "تبقى السنة المقبلة صعبة، وقطعاً يمثل الركود التضخمي التوقعات في الوقت الراهن".
وفي غضون ذلك، يتوقع 60% من المشاركين باستطلاع الرأي أن يتراجع الدولار الأميركي أكثر عقب شهر من الآن. يتناقض هذا مع توقعات الشهر الماضي، عندما قال نحو نصف المشاركين إنهم سيصلون إلى اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المقرر في نوفمبر الجاري بمركز مشترٍ للدولار. ألقت قوة العملة الأميركية بثقلها على فئات أصول عديدة خلال العام الجاري، بما فيها عملات أخرى على غرار اليورو بجانب أسهم الأسواق الناشئة. قد يسفر الدولار المتراجع عن فرص كامنة خلال سنة 2023 التي من المتوقع فعلاً أن تكون ضعيفة.
وقالت كورنيتسر: "من المحتمل أن يتراجع سعر الدولار عبر 2023، وقد لا يحدث ذلك بطريقة كبيرة، لكن من المحتمل أن يكون الاتجاه هبوطياً، مضيفة أن الركود في الولايات المتحدة الأميركية واتجاه الأسعار سيكونان المحفزين الأساسيين للعملة.
وتتجه الأنظار كافة صوب تصرف بنك الاحتياطي الفيدرالي في 2023 مع احتمال عرقلة النمو أكثر، إذ تبقى أسعار الفائدة مرتفعة لمدة أطول، وهي حالة سائدة سبق وحذّر منها رئيس البنك المركزي الأميركي جيروم باول. في هذه الأثناء، تشكل سياسة الصين الصارمة "صفر كوفيد" خطراً آخر على الاقتصاد العالمي، إذ تحلق حالات الإصابة بالمرض عند مستويات قياسية مرتفعة.
ويتوقع أكثر من نصف المشاركين باستطلاع الرأي أن يختتم مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" سنة 2023 بنطاق أقل أو أعلى بـ10%. يواكب ذلك توقعات وول ستريت، في ظل بروز خبراء استراتيجيين لدى "غولدمان ساكس غروب" و"مورغان ستانلي" و"بنك أوف أميركا" من بين أولئك الذين يتوقعون أن يستمر مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" دون تغير إلى حد ما بعد 12 شهراً من الآن. يتوقعون جميعهم أن تلقي نتائج الأرباح المتدهورة بثقلها على أداء الأسهم.
وقالت "أنيكا تريون"، المديرة الإدارية في "فان لانشهوت كيمبين" (Van Lanschot Kempen) بأمستردام، التي تحظى شركتها بتوقعات متحفظة حول الأسهم في 2023: "سيتطلب الأمر من المحللين تعديل تقديرات أرباحهم هبوطياً، ونتوقع أن تشهد أوروبا انكماشاً اقتصادياً، كما سيكون لدى الولايات المتحدة على الأرجح القدرة فقط على تسجيل نمو متواضع، ولن تستمر الصين بتحقيق الطموحات الخاصة بها".
ورغم كل هذا التشاؤم، فإن المشاركين باستطلاع الرأي رجحوا أن التضخم في الولايات المتحدة سيتراجع لأقل من 3% خلال 2023 أكثر من أن يتجاوز 10%، مما يعني حدوث بعض التهدئة مع نهاية السنة المقبلة. ستكون هذه بمثابة أنباء سارة لمسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذين أشاروا فعلاً إلى أنهم ينزعون إلى التحول لزيادة قدرها 50 نقطة أساس في ديسمبر المقبل للتخفيف من المخاطر الناجمة عن التشديد المفرط للسياسة النقدية.
وعلى صعيد الفرص المتاحة، يتوقع المشاركون في استطلاع رأي "إم إل آي في بلس" وجود فرصة لاقتناص السندات طويلة الأجل والأسهم التكنولوجية، من بين محاور أخرى. سجلت كلتا فئتي الأصول هبوطاً عنيفاً العام الجاري جراء الصعود الحادّ لأسعار الفائدة.
ويأتي من بين المخاطر المحتملة الإضافية خلال 2023 التطورات في سوق الإسكان بالمملكة المتحدة وكندا، إذ يرى المشاركون باستطلاع الرأي وجود احتمال لوقوع انهيار 20% في تلك الدول أكثر من غيرها. أجبرت قفزة تكاليف الاقتراض بعض المشترين المحتملين على الخروج من السوق، وأثارت تنبؤات بهبوط أسعار المساكن.
واستبعد غالبية المشاركين في استطلاع الرأي إمكانية تصعيد الصراعات الجيوسياسية السنة المقبلة، على سبيل المثال بين الصين وتايوان، وكذلك بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.
وقال إيبيك أوزكارديسكايا، كبير المحللين بشركة "سويسكوت" (Swissquote): "ستهيمن قصة أسعار الفائدة الأعلى على النصف الأول من 2023، ورغم ذلك نتوقع خلال الربعين الثالث والرابع من السنة المقبلة أن تتحول لغة خطاب السوق إلى النمو المنخفض والركود".