اقتصادكم
هل الأمر يتعلق بفقاعة إعلامية تطفو على مشهد تهيمن عليه أزمة تضخم غير مسبوقة، أم أنه عودة موضوع سياسي حقيقي يستحق وضعه في دائرة الضوء ؟، إنه تخفيض رواتب الوزراء والبرلمانيين وغيرهم من المسؤولين السياسيين الذي يثير مرة أخرى، الجدل في الساحة السياسية والإعلامية.
وبالرغم من أن المبادرة جاءت من رئيس الوزراء الليبرالي، ألكسندر دو كرو، ليقدم المثال، كما يقال، في سياق تنفجر فيه الأسعار وتؤثر بشدة على محافظ الأسر، إلا أن هذه المسألة أثارت الجدل، بين أولئك الذين يرون أنه عمل رمزي جدير بالثناء وآخرين يصفونه بواحدة من المزايدات السياسية الأخرى.
وقام رئيس السلطة التنفيذية، الذي يرغب في إقرار مساهمة ممنوحة من قبل الوزراء في سياق الأزمة، بوضع مذكرة على طاولة الحكومة تقترح تخفيض رواتب أعضائها بنسبة 8 % اعتبارا من العام 2023. إذ ستصل الإيرادات المتوقعة في العام 2023 إلى مبلغ 456 ألف يورو، أمر رمزي ليس أكثر.
وقد اعترفت كاتبة الدولة في الميزانية، إيفا دي بليكر، بأن "مداخيل السياسيين والأحزاب تتزايد بشكل نوعي، وتأثير أسعار الطاقة أقل بكثير بالنسبة لهذه الفئة"، وبحسبها، فإن هذا الوضع "يضر بالثقة في السياسة".
وإلى جانب رواتب الوزراء، فإن المذكرة تستهدف بشكل عام السلطة التشريعية، المؤسسات المستفيدة من الدعم والأحزاب السياسية. حيث ي قترح عليها إعادة التأكيد في عامي 2023 و2024 على توفير 1,11 % المطلوبة في العام 2022، وتقدر الإيرادات المتوقعة في العام 2023 بـ 3,7 مليون يورو.
وبالنسبة للمنح المخصصة للأحزاب السياسية، يمكن تجميد الميزانيات على مستوى شتنبر 2022، مع إيرادات متوقعة في العام 2023 تبلغ 1,998 مليون يورو. كما يقترح على الأحزاب السياسية وأعضاء الغرف أن يبدأوا في التفكير ويتخذوا تدابير مماثلة.
وسيستمر النقاش في إطار اجتماع الميزانية الجاري حاليا، حيث يتمثل طموح الحكومة في التوصل إلى اتفاق بحلول الثلاثاء 11 أكتوبر، التاريخ الذي ينتظر أن يحل فيه رئيس الوزراء بالبرلمان ليلقي خطابه حول السياسة العامة.
في غضون ذلك، لم تمر هذه القضية مرور الكرام، فقد قال نائب رئيس الوزراء المنتمي للحزب الإيكولوجي، جورج جيلكينيت، في تصريح لوكالة الأنباء "بيلجا": "يجب أن نذهب أبعد من ذلك".
وأضاف "أقترح بذل جهد أكبر فيما يتعلق بالتعويضات الوزارية، على سبيل المثال من خلال مضاعفة ما يقترحه رئيس الوزراء. تخفيض يتجاوز بالتالي المقايسة التي استفاد منها أعضاء السلطة التنفيذية أيضا هذا العام".
ولم يتأخر الحزب العمالي البلجيكي (معارضة) في التفاعل مع هذه القضية، حيث اعتبر مقترح رئيس الوزراء غير كاف . ودعا إلى خفض رواتب الوزراء والنواب إلى النصف، مذكرا بأن هناك بالفعل مشروع قانون يهدف إلى خفض الإعانات والتعويضات الحزبية إلى النصف.
من جهتها، تبدي الحركة الإصلاحية (ليبرالي فرونكفوني)، شريكة حزب رئيس الوزراء الليبرالي الفلاماني توجها مختلفا. فقد اعتبر رئيسها جورج لوي بوشي، في تغريدة له على تويتر أنه "إلى جانب تخفيض رمزي وبدون تأثير حقيقي على رواتب الوزراء، ترغب الحركة قبل كل شيء في تقليل ثقل الدولة بعدد أقل من الوكلاء والبنيات، وخفض الضرائب كما هو الحال مع مؤشر الإعفاء من الضرائب".
ولدى الاشتراكيين، الذين يشكلون هم أيضا جزءا من الحكومة الفيدرالية، فإن النبرة قريبة على نحو متناقض من الليبراليين- خصومهم على الدوام. حيث يؤيد رئيس الحزب الاشتراكي، بول مانييت، تخفيض رواتب الوزراء على جميع مستويات السلطة (الكيانات الفيدرالية)، لكنه يدرك بأن هذا الإجراء سيكون له تأثير ضعيف على الميزانية.
وقال بول مانييت في تصريح للإذاعة العمومية البلجيكية إن التخفيض المحتمل في رواتب الوزراء يعد أكثر من مجرد إجراء رمزي، مع الاعتراف بأن هذا النوع من التدابير لن يكون له وقع كبير على الميزانية. وبحسبه، فإن من شأن مساهمة للأزمة مفروضة على جميع أصحاب الدخل المرتفع أن تكون أكثر فعالية.
إلى جانب ذلك، يوصي رئيس الحزب الاشتراكي بزيادة الرسوم على الثروة، وبإدراج الضريبة على حسابات الأوراق المالية، التي يوصي برفع سقفها، وإلغاء المزايا الضريبية للبنوك والشركات متعددة الجنسيات، وإنشاء حد أدنى للضريبة على الشركات متعددة الجنسيات.
من جهة أخرى، أعاد اقتراح رئيس الوزراء طرح مسألة مقايسة رواتب الوزراء (فيما يتعلق بالتضخم). ففي الواقع، إذا استمر تطبيق المقايسة التلقائية لدخلهم، فإن الأعضاء العشرين في الحكومة الفيدرالية سيكسبون، في نهاية ولايتهم، أكثر من 3000 يورو شهريا، علما أن إجمالي رواتبهم يبلغ بالفعل حوالي 18000 يورو. أمر غير معقول.
وبينما تتضامن الطبقة السياسية فيما بينها وتدافع عن نفسها قدر المستطاع، بدأت اختصاصات ومهن أخرى تظهر هي الأخرى على الواجهة.
ويتعلق الأمر، على الخصوص، بالعدالة. فقد اقترح فيليب مورانديني، أول رئيس لمحكمة استئناف مونس، في تصريحات للصحافة، تخفيض تعويضات السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى مستوى القضاء.
وقال: "لماذا لا تتم مساواة رواتب الوزراء مع رواتب القضاة ؟، هل من الطبيعي أن يتقاضى الرجل الأول في القضاء نفس راتب 150 نائبا ؟ يتقاضى المدعي العام الاتحادي في بلجيكا أجرا أقل من رئيس الخدمة العامة الفيدرالية (وزارة). هل يستحق الأمر التفكير أم لا ؟، الوكيل العام للملك يتقاضى أقل من رئيس منطقة شرطة في مدينة كبيرة ولا يتمتع بنفس المزايا. هل يستحق الأمر التفكير أم لا؟".
وبحسب قوله، "في هذه المرحلة من الأزمة، لماذا لا تتم ملائمة أجور السلطات الثلاث، بالنظر إلى أن السلطات الثلاث متساوية في بلجيكا وفقا للدستور ؟، أدرك أنه يجب حماية السياسيين من الفساد، القضاة أيضا (...)".