اقتصادكم - وكالات
في وقت كان يحاول التقاط أنفاسه بعد حوالي عامين من الوباء، واجه الاقتصاد الأمريكي سنة 2021 عددا كبيرا من التحديات التي تعرقل تعافيه الذي طال انتظاره وتلقي بظلال قاتمة على توقعات النمو.
وكما يقول الخبراء، فإن التضخم هو العدو الأول لأي اقتصاد وقد كان هذا العدو العامل الرئيسي وراء الارتفاع الكبير في الأسعار الذي أصبحت تواجهه القوة الاقتصادية الأولى في العالم.
وتسارع التضخم بأسرع وتيرة له منذ سنة 1982 في نونبر المنصرم، مدفوعا بانتعاش اقتصادي قوي اجتاح سلاسل الإمداد المتعثرة
ويؤثر هذا الارتفاع في الأسعار، الذي يشمل العديد من المنتجات الأساسية، على ملايين الأسر الأمريكية حيث أفاد استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" بأن 45 في المائة من الأسر تواجه صعوبات مالية خانقة أو معتدلة بسبب التضخم الذي بلغ 6,2 في المائة خلال شهر أكتوبر الماضي، وهو المعدل الأكثر ارتفاعا منذ ثلاثة عقود.
ولم يظهر حتى الآن أي مؤشر على انخفاض التضخم، الذي وصفه رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، بأنه "مؤقت"، بل ومن الممكن وفق خبراء الاقتصاد في نيويورك أن يستمر حتى العام 2022، مما سيعقد الوضع بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، لاسيما مع اقتراب عطل نهاية السنة.
وزاد هذا الوضع سوءا بسبب ارتفاع أسعار الوقود، مما دفع الولايات المتحدة إلى سحب 50 مليون برميل من احتياطياتها الطارئة خلال الأشهر المقبلة.
وكان البيت الأبيض قد أكد، في بيان، أن "المستهلكين الأمريكيين يشعرون بتأثير الارتفاع في أسعار البنزين في المضخات وفي فواتير التدفئة المنزلية، وكذلك الشركات الأمريكية، لأن إمدادات النفط لم تواكب الطلب في الوقت الذي يحاول فيه الاقتصاد العالمي الخروج من الأزمة الوبائية".
وبرأي الخبراء، فإن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن تترجم هذه الخطوة إلى انخفاض في أسعار البنزين. وبهدف التحكم في الأسعار، كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قد طلب من رئيس لجنة التجارة الفيدرالية إجراء تحقيق لمعرفة ما إذا كانت شركات النفط ترفع أسعارها "بشكل غير قانوني".
ولا تقتصر العقبات التي تعرقل التعافي الاقتصادي الشامل في بلد العم سام على هذه الموجة من التضخم، بل إن الاضطرابات على مستوى سلاسل الإمداد أدت بدورها إلى تعقيد الأمور لدرجة أنها تحولت إلى رهان سياسي بالنسبة لإدارة بايدن والديمقراطيين مع قرب انتخابات التجديد النصفي.
وحسب قناة "سي إن إن" الإخبارية، فإن هذه المشاكل المستمرة التي تؤثر على قطاعات كاملة من الاقتصاد الأمريكي، قد تقوض حظوظ الديمقراطيين خلال هذه الاستحقاقات المقررة في 2022، مشيرة إلى أن هذا الوضع أصبح يشكل "مصدر إزعاج حقيقي" له تداعيات سياسية قوية على البيت الأبيض.
ومما يدل أيضا على هذا الوضع "غير المريح" هو حالة الاضطراب التي عمت في أكتوبر المنصرم الموانئ الرئيسية في لوس أنجلوس ولونغ بيتش التي شهدت تكدس بضائع قدرت قيمتها بنحو 24 مليار دولار.
وبالنسبة للعديد من الخبراء في الاقتصاد، فإنه لا يوجد أي حل فوري للاختلالات الناجمة عن العرض والطلب في موانئ الولايات المتحدة في الوقت الحالي، بينما من المرجح أن تستمر هذه المشكلة حتى عام 2022.
ويتعلق الأمر هنا بـ"مشكلة جديدة" لكل من الاقتصاد والمستهلكين الأمريكيين، حيث تؤدي الاضطرابات على مستوى سلاسل الإمداد إلى زيادة التكاليف وتأخير الشحنات وترك خيارات أقل للمشترين خلال فترة العطلة هذه. وينضاف إلى هذه السلسلة من المشاكل، ظاهرة أخرى بدأت تزداد حدة منذ رفع القيود المفروضة بسبب الأزمة الصحية، وهي ظاهرة "الاستقالة الكبرى".
ففي أكتوبر الماضي، استقال حوالي 4,2 مليون أمريكي من وظائفهم، وذلك للاستفادة من الفرص المهنية المتاحة في أعقاب رفع القيود المرتبطة بوباء كوفيد-19.
وشملت موجة الاستقالات هذه حتى الرؤساء التنفيذيين للشركات، حيث قرر العديد منهم تغيير مسارهم أو التقاعد بعد فترة اتسمت بالقلق والضغط الناجم عن عامين من الوباء
وبهذا الخصوص، أكدت دراسة أجراها "هايدريك آند ستراكلز"، وهو مكتب استشاري متخصص في الريادة وثقافة المقاولات يوجد مقره بشيكاغو، أن الرؤساء المدراء التنفيذيين بدورهم عانوا من الإرهاق والتوتر الذي أثر على مئات الملايين من العاملين في جميع أنحاء العالم منذ بداية الوباء، مبرزة أن العديد منهم فكروا في امتهان وظيفة أخرى أو اعتماد نمط حياة جديد، لينضموا بذلك إلى موجة "الاستقالة الكبرى. "Big Quit ".
وعلى ضوء كل هذه الإشكالات، يبدو أن انتعاش أكبر اقتصاد في العالم يتم في سياق من المعاناة ويتطلب وقتا ليتخذ مساره الصحيح.
ومع ذلك، فقد هدأت التوقعات الأخيرة للبنك المؤثر "جي بي مورغان" الأمريكي النفوس وأحيت الآمال بغد أفضل.ففي مذكرة لعملائها، قالت المؤسسة المالية إنها تتوقع أن تكون 2022 سنة انتعاش "شامل" للاقتصاد العالمي سيصادف أيضا نهاية جائحة كوفيد-19، مبرزة أن الاقتصاد العالمي سيكون قادرا على تجاوز التداعيات الأخيرة التي خلفتها الأزمة الوبائية، وبالتالي العودة إلى الظروف الطبيعية التي كانت سائدة قبل الأزمة الصحية.