اقتصادكم - صفاء الصبري
يعيش العالم منذ بداية العام على وقع أزمة خانقة تخص الشحن بسبب النقص الحاد في حاويات الشحن البحري وتسببها في ازدحام هائل في جل الموانئ الرئيسية عبر العالم.
وبينما تنقل حوالي 90% من البضائع في العالم عن طريق البحر، أدت أزمة الشحن الحالية إلى ارتفاع التكاليف واختناق في سلاسل التوريد العالمية.
وبدأت تظهر بوادر الأزمة في بداية فبراير الماضي عندما تكونت طوابير الانتظار في المينائين التوأم "لوس انجلوس" و"لونغ بيتش" والتي تسببت في وقوف ما يصل إلى 40 سفينة حاويات في انتظار دورها للرسو على الرصيف وسط تدفق كبير على هذه المنطقة المزدحمة.
وسجلت حاويات الشحن العالقة في الموانئ رقما قياسيا بلغ 1.9 مليون حاوية في ماي الماضي أي ما يقارب ضعف المستوى الذي تم تسجيله أثناء أزمة كوفيد- 19 في مارس 2020.
ثم استمرت الأزمة عندما علقت السفينة "إيفرغيفن" العملاقة والحاملة لـ 20124 حاوية في قناة السويس لمدة أسبوع تقريبا مما أدى إلى تأخير مئات السفن التي كانت تشق طريقها بين آسيا وأوروبا.
وحاليا ينضم ميناء "يانتيان" في مدينة" شنتشن" الصينية إلى سلسلة الأزمات، حيث أدى تفشي فيروس كورونا إلى إلغاء الجداول الزمنية المقررة بالميناء خلال الشهر كله.
الأزمة ستستمر لسنوات
ويبدو أن الأزمة في استمرار، لأن العوامل التي أدت لارتفاع أسعار حاويات الشحن بين آسيا وأوروبا ووصولها إلى مستويات قياسية تزيد على 10 آلاف دولار لكل 40 قدما ليست مجرد مشكلة تنسيق مؤقتة، إنما قد تستغرق العودة إلى ما يشبه الوضع الطبيعي عدة سنوات.
وفي الأحوال المعتادة كان قطاع شحن الحاويات يعمل بسلاسة شديدة للغاية لدرجة أننا كنا بالكاد نلاحظه، وكانت السفن التي تحمل 10 آلاف حاوية بمقدورها الوصول عند الفجر، ثم المغادرة بشحنة جديدة بحلول غروب الشمس، كما كانت الأسعار في بعض الأحيان تنخفض للغاية لدرجة أنه في أوائل عام 2016 كان بإمكانك تحويل طن متري من البضائع من "شنغهاي" إلى "روتردام" مقابل حوالي 10 دولارات.
الحاويات ليست في المكان الصحيح
ويتمثل جزء من المشكلة في أن الحاويات ليست في الأماكن الصحيحة، فوفقا للمقاييس العالمية مرت التجارة بوباء قصير وحاد بشكل ملحوظ، وبحلول سبتمبر الماضي كانت مستويات النقل قد تفوقت بالفعل على المعتاد موسميا في يناير وفبراير، حيث ارتفع الطلب على المعدات الطبية والإنفاق على السلع في البلدان الغنية.
وبسبب محاولة إجراء عمليات التسليم هاته في الوقت المحدد، أدى ذلك إلى أن العديد من السفن بدأت في الانطلاق في رحلات العودة وهي فارغة حتى توفر بضع ساعات ثمينة من الوقت، والتي كانت تستغل عادة في تحميل الصناديق الشاغرة ومن ثم شحنها إلى الصين.
ونتج عن ذلك وفرة في الحاويات الموجودة بموانئ أوروبا وأمريكا الشمالية ونقصها بشكل حاد في آسيا مما دفع أسعار الشحن إلى الوصول لمستويات فلكية على طرق التصدير.
تراجع الاستثمارات
ويتوقع المحللون وقوع مشكلة أكبر بمجرد أن تصبح حاويات العالم متوفرة في المكان الذي نحتاج إليها فيه، فرغم أن كوفيد-19 وجه ضربة موجعة للبضائع العالمية، لكن التباطؤ كان موجودا قبل ذلك بوقت طويل، ويعزى ذلك إلى الحروب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترمب" على بقية العالم.
وكانت حركة النقل البحري تتجه نحو الانخفاض منذ أواخر عام 2018، واستعادت مستوياتها السابقة فقط بداية هذا العام، ونتيجة لذلك قلص قطاع الشحن استثماراته تحسبا لتراجع دور التجارة في الاقتصاد العالمي مستقبلا.
خصاص في موسم الأعياد
ووفقا لخبراء اقتصاديين وقادة الأعمال فلن تحل مشكلة الشحن وما ينتج عنها من نقص في السلع وارتفاع الأسعار حتى منتصف 2022
ووفقا لـ Goldman Sachs ، هناك 77 سفينة تنتظر خارج أرصفة الموانئ في لوس أنجلوس ولونج بيتش بكاليفورنيا تحمل 24 مليار دولار من البضائع التي تبحث عن طريقها إلى أمريكا.
وقال روني والكر الخبير الاقتصادي في "بنك جولدمان روني ووكر" في مذكرة للعملاء: "من المرجح أن تستمر الأزمة وارتفاع تكاليف الشحن على الأقل حتى منتصف العام المقبل لأنه لا يوجد حل فوري لاختلال التوازن بين العرض والطلب في موانئ الولايات المتحدة".
وأضاف والكر أن الضغوط ستبدأ قريبا في "التراجع" ولكن بشكل طفيف جدا مع تجاوز ذروة الطلب الموسمية قبل موسم الأعياد، ويمكن أن تقل المشاكل بعد العطلات ورأس السنة الجديدة.
المستهلكون سيدفعون أكثر مقابل سلع أقل
ويتطلب شحن حاوية عبر الموانئ الأمريكية الرئيسية الآن ثلاثة أضعاف الوقت الذي كان يستغرقه في وقت سابق، ففي سبتمبر تكدس حوالي ثلث الحاويات في مينائي لوس أنجلوس ولونج بيتش لفترة أطول من خمسة أيام قبل شحنها، وفقا لـ Goldman Sachs، وانخفض عدد الحاويات التي تم تفريغها بنسبة 9.1٪ في لونج بيتش و 3.6٪ في لوس أنجلوس.
وحاول الرئيس جو بايدن في وقت سابق حل المشكلة عن طريق إصدار أوامر للمنافذ بالبقاء مفتوحة لمدة 24 ساعة ، لكنها لم تكن حلولا فعالة، إذ أدت إلى النقص المستمر في العمالة وعدم التنسيق بين الأطراف المتعددة في سلسلة التوريد الأمريكية وهو ما تسبب في إضعاف تأثير هذه الخطوة.
وكتب والكر: "النتيجة هي أن التوقعات لا تقدم إصلاحات فورية لاختلال التوازن بين العرض والطلب في موانئ الولايات المتحدة".
و أضاف أنه "من المرجح أن يستمر الازدحام إلى منتصف العام المقبل على الأقل ، فيما يتوقع محللونا أن أسعار الشحن ستظل على الأرجح أعلى من مستويات ما قبل الوباء للعام المقبل على الأقل".