اقتصادكم ـ تقرير وكالة بلومبرغ
يعد طلب بورصة لندن للمعادن لتفاصيل عن الصفقات الخاصة بين أعضائها وعملائهم بمثابة حد يضعه رئيسها ماثيو تشامبرلين في سعيه لإصلاح سمعة السوق وتجنب تكرار فوضى سوق النيكل التي شهدناها العام الجاري.
ومع ذلك، من المرجح أن تتردد أصداء هذا الطلب إلى ما وراء عالم المعادن، فيُعتبر مقترح بورصة لندن للمعادن أول خطوة رئيسية تجاه زيادة الإشراف على أسواق السلع العالمية إذ تترك تقلبات الأسعار الجامحة بعد غزو روسيا لأوكرانيا المشرعين في حالة قلق متزايد، وهناك مخاوف متنامية من المخاطر المخفية في الأجزاء الغامضة من تداول الموارد الطبيعية وخاصة النظام البيئي الواسع لصفقات المشتقات خارج المقصورة التي يتم التفاوض عليها بشكل خاص.
وبينما ذكرت "بلومبرغ" الأسبوع الجاري أن "أزمة النقص الكبيرة" تقلصت بأكثر من النصف، فإن مقترح يوم الجمعة بأن يقدم الأعضاء تقارير أسبوعية بشأن مراكزها خارج المقصورة هي أحدث دليل على أن الأزمة ستترك علامة لا تُمحى على سوق لندن للمعادن، ومن شأن التغييرات تعزيز القدرات الإشرافية لبورصة لندن للمعادن، وستأخذها إلى أبعد من الالتزامات التنظيمية، وستميزها عن بورصات السلع الأخرى.
أكد تشامبرلين أن واقعة النيكل تثبت أن الإصلاح مطلوب الآن، مؤكداً على التزامه بتحقيقه. وقال: "انظروا ماذا سيحدث إذا لم نمتلك تلك السلطات.. إنه (المقترح) واحد من أفضل وأكثر الأشياء الفورية التي يمكننا فعلها ليكون لدينا إخطار مسبق أفضل للمواقف المشابهة".
كان لدى تشامبرلين، مصرفي سابق أصبح رئيساً تنفيذياً في 2017، خطط في وقت سابق من العام الجاري للمغادرة من أجل وظيفة جديدة في قطاع العملات المشفرة، لكنه وافق على البقاء وإدارة خروج بورصة لندن للمعادن من أزمة المراكز المكشوفة على النيكل. ووضعت تلك الأزمة البورصة في مركز دائرة الضوء العالمية، وأثارت تحقيقات من قبل المنظمين البريطانيين وكذلك مخاوف وانتقادات من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والاحتياطي الفيدرالي.
وفي أول مقابلة عامة له منذ الموافقة على البقاء، أقر تشامبرلين بالضرر الذي لحق بالبورصة نتاج الأزمة، وقال: "نحن نعلم أن جميع شركائنا ومستخدمينا وعملائنا سيفكرون فيما إذا كانوا يريدون الاستمرار في التعامل معنا أم لا.. آمل أن تقدم الخطوات التي نتخذها، وخارطة الطريق التي وضعناها، بعض الطمأنينة".
حددت بورصة لندن للمعادن مهلة أسبوعين لمناقشة التغييرات المقترحة مع المتداولين الذين عارض بعضهم بقوة تحركات مشابهة في الماضي ونجحوا في عرقلتها. وفي سوق خارج المقصورة، تستطيع شركات التعدين وشركات تداول المعادن والشركات الصناعية مثل صُناع السيارات التحوط من مخاطر أسعار المعادن التي يشترونها ويبيعونها بينما يضع المستثمرون الماليون مثل صناديق التحوط رهانات على الأسعار.
تستطيع البنوك تقديم منتجات كثر تعقيداً ومصممة خصيصاً من تلك المتاحة في البورصة، كما أن الطبيعة ثنائية الأطراف للصفقات تعني أنها لا تمر عبر مقاصة البورصة ولا تنطبق عليها اشتراطات التداول بالهامش.
تجبر الخطوة الأولى من الإصلاح البنوك على رفع تقارير بشأن المراكز سراً إلى بورصة لندن للمعادن، وقد تنشر البورصة في المستقبل تقارير مجمعة حول النشاط خارج المقصورة، وتتلقى الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة وأوروبا بالفعل بعض المعلومات حول معاملات السلع خارج المقصورة، لكن يمكن أن تحقق القواعد الجديدة لبورصة لندن للمعادن مزيداً من الشفافية إلى حد كبير، والأهم من ذلك، أنها ستسمح للبورصة بالتصرف عندما تلاحظ بوادر أزمة تلوح في الأفق.
وقال ستيفن كيلي، زميل باحث في برنامج جامعة ييل للاستقرار المالي: "يمكنك إغراق العالم بالبيانات، لكن إذا لم يكن يقرأها أحد أو يفحصها فلن تخدم الغرض منها كثيراً.. وكان بإمكانك قراءة التحذيرات على الأوراق المالية المدعومة بالرهون في عام 2008، لكن ذلك لا يعني أن أي أحد كان يلقي نظرة عليها".
تعرّض التداول خارج المقصورة للتدقيق من قبل المنظمين في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ومع ذلك، استمر حجم كبير من تجارة السلع عبر الصفقات الثنائية، ويُعدّ الإفصاح العام عن التداولات محدود بطبيعته لكن تشير لمحة سريعة من بيانات بنك التسويات الدولية إلى حدوث انتعاش في النشاط العام الماضي.
هناك أيضاً توقعات بأن التحركات السعرية الحادة عبر السلع ستزيد نشاط التداول خارج المقصورة في الوقت الذي يبحث فيه المتداولون والمتحوطون من القطاع الصناعي عن طرق لتجنب تكبد مبالغ ضخمة في تغطية طلبات تغطية الهوامش على المراكز داخل البورصة.
قال تشامبرلين إنه مستعد للدفاع عن الإصلاحات ضد الانتقادات بأن البورصة تتجاوز الحدود ويعتقد أن التغييرات تعكس "اتجاه السفر" الذي تريد السوق رؤيته.
واستطرد: "حتى وإن لم يكن هناك تغيير شامل في طريقة تنظيم هذه الأمور، أعتقد أن علينا تقبّل أنه من مسؤوليتنا أن نتحمل هذه الاتجاهات العامة وتوقعات المجتمع الذي نعمل فيه وأن ندفعهم للأمام".
أعلنت هيئة السلوك المالي وبنك إنجلترا عن تحقيقات في أزمة النيكل وقالت الهيئة إنها ستولي "اهتماماً تاماً" بكيفية إدارة بورصة لندن للمعادن للمشكلات والاستجابة لها.
قالت هانا ميكن، شريك في "نورتن روز فولبرايت" (Norton Rose Fulbright): "من الواضح أن المشرعين سيتعاملون مع الأمر بجدية تامة.. تنظيم ميادين التداول هي عملية تطور مستمرة وبالتالي هناك بعض التغيرات الجارية لكن قد يُحوِّل ما يحدث في بورصة لندن للمعادن بعض التركيز ويجعل بعض الجوانب أكثر أهمية".
ويأتي التركيز المتزايد على بورصة لندن للمعادن على خلفية وضع لندن الجديد خارج الاتحاد الأوروبي.
وتتناقض الحملة على واحدة من أقدم مؤسساتها المالية مع التعهدات بتحرير المدينة من بعض قيودها التنظيمية. ومع ذلك، تحتاج بريطانيا إلى التأكيد على أنه في أعقاب بريكست ستكون أسواقها المالية منظمة بنفس المعايير الأوروبية للحفاظ على مركز مكافئ.
من جانبه، قال سيمون أبلتون، مدير في "كايزن ريبورتينغ" (Kaizen Reporting)، التي تساعد الشركات المالية في رفع التقارير الإلزامية للجهات التنظيمية، إن الإبلاغ عن المعاملات في الأسواق خارج المقصورة هو أحد مجالات التباين الرئيسية المحتملة بين الأنظمة التنظيمية لبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وبينما تتطلع هيئة السلوك المالي إلى إعادة المزيد من السلطة إلى ميادين التداول، فإن التقلبات في أسواق السلع قد تعني أن الإشراف تزايد، على حد قوله.
وفيما بينهم، يشير المتداولون إلى أن معظم سوق خارج المقصورة منعكس بالفعل على بورصة لندن للمعادن لأن المتداولين يحوّطون مخاطرهم عبر الصفقات ثنائية الجانب في البورصة، ومع ذلك، فإن عدداً معيناً من البنوك لديهم منصات تداول داخلية كبيرة خارج المقصورة حيث تُخصَّم مراكز العملاء أمام بعضها البعض بدلاً من وضعها للتحوّط في بورصة لندن للمعادن.
في نفس الوقت، يحرص بعض أكبر المتداولين في البورصة على تجنب الهجرة الجماعية إلى أسواق خارج المقصورة التي تهيمن عليها البنوك الكبرى.
قال سيمون فان دين بورن، رئيس ومدير المعادن في شركة تداول السلع "ماريكس" (Marex): "بعد الأزمة المالية العالمية أراد المشرعون فرض اتفاقات ثنائية أقل وإذا كان ما يحدث امتداد لهذا الاتجاه فإن الأمر منطقي.. وانتهت أيام تسويق الاستثمار الممول بالديون كأداة تنافسية ورأينا ذلك في سوق السلع في مارس وشهدناه في الأسواق المالية مؤخراً، وبات كون الشيء هو الأرخص أو الأقل تكلفة أو الأقل شفافية لا يمكن أن يكون هو السبيل للتقدم للأمام".