لن يختلف المشهد التركي خلال سنة 2022، كثيرا عما كان عليه في السنة المنصرمة في ما يتعلق بالوضع الداخلي أو علاقات أنقرة بمحيطها الإقليمي والدولي، غير أن العام الجاري سيقدم، لا محالة، صورة أوضح عن تفاعل الشارع التركي مع واقع البلاد والتحديات التي تواجهها، وعن تموقع الفرقاء السياسيين في أفق الاستحقاق الرئاسي والبرلماني المصيري ليونيو 2023، وما سيؤول إليه الوضع السياسي بتركيا وانعكاساته على المنطقة.
ومن المتوقع أن تواصل ملفات الاقتصاد والتضخم، الاستقطاب السياسي الداخلي، مرشحو الرئاسة، التعديل الدستوري، النظام البرلماني، والانفتاح الإقليمي، التي أثارت سجالات وتوترات سياسية واجتماعية حادة، في تصدر النقاش العمومي خلال سنة 2022.
ومنذ مطلع العام الجديد، ما تزال الصعوبات الاقتصادية تضغط بقوة على الحكومة، وخاصة تدهور سعر صرف الليرة التي تعرضت لهزات عنيفة والارتفاع الصاروخي لمستوى التضخم، بتداعياته المؤلمة على تكاليف المعيش اليومي للمواطن التركي، وذلك بالتزامن مع تقديم السلطات لحلول عاجلة وآليات آنية لإنقاذ قيمة العملة المحلية، كل ذلك في إطار نموذج اقتصادي جديد ي توخى من خلاله تحقيق "الاستقلال الاقتصادي" للبلاد.
كما أن عودة فيروس "كوفيد-19" ومتحوراته بدأت ترخي بظلال قاتمة على القطاع الاقتصادي، الذي يعول بشكل كبير، من أجل استئناف دورته كاملة، على قطاعات الاستثمارات الأجنبية والسياحة والصادرات، لاسيما الدفاعية منها، كأحد أهم مصادر العملة الصعبة.
وفي هذا الصدد، يوضح المحلل السياسي التركي طه عودة أوغلو أن عام 2021 كان استثنائيا بامتياز بالنسبة لتركيا من خلال ما عاشته في أشهره الأخيرة من تحولات وتطورات وأزمات على مختلف المستويات، مبرزا أن الأنظار تتركز في العام الجديد على بوصلة الأحداث المتسارعة على الصعيدين الداخلي والإقليمي لرسم ملامح المستقبل، خصوصا مع إقبال تركيا على انتخابات برلمانية ورئاسية صعبة ومصيرية للغاية، سواء في عام 2023، أو ربما تكون مبكرة في نهاية هذا العام، في ظل صراع محتدم على السلطة بين الحكومة والمعارضة.
وأضاف، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الملفات السياسية المعقدة التي يبدو أنها تنتظر حلولا جذرية خلال عام 2022، يمكن وصفها بـ "الثقيلة" خصوصا على حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان التي تأثرت بجملة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء تلك المتعلقة بالحياة الداخلية من جهة أو العلاقات الخارجية مع بقية الدول من جهة أخرى، جنبا إلى جنب مع تزايد مطالب المعارضة بانتخابات مبكرة قد لا تصب في مصلحة الحزب الحاكم الذي تأثرت شعبيته سلبا بحكم الواقع الاقتصادي الذي يهيمن على البلاد.
وبما أن سنة 2022، تعد الأقرب زمنيا من الانتخابات الحاسمة ليونيو 2023، فذلك يعني المزيد من التحالفات السياسية والاستقطابات الحزبية والمجتمعية، من خلال توظيف ملفات خلافية، من قبيل الوضع الاقتصادي واللاجئين، من طرف أحزاب المعارضة لتوجيه انتقاداتها لتدبير حزب العدالة والتنمية الحاكم، والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون للشأن السياسي التركي أن الحزب الحاكم لن يذهب لانتخابات مبكرة لاعتبارات عدة، لعل أبرزها أن موافقته تعني فشله في حل أزمات عصية، وأيضا كون الظروف السياسية والاقتصادية الحالية لا تخدمه، علاوة على أنه في حالة تبكير الانتخابات تعني خسارة الحزب الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان، شخصيا، للزمن السياسي المتمثل في سنة ونصف المتبقي من فترة رئاسته الحالية.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، يبدو أن أنقرة، المدركة جيدا لأهمية السياق الإقليمي والدولي، ستمضي قدما في سياسة الانفتاح أو دبلوماسية "تقاسم المصالح" وجهود التطبيع التي أطلقتها إقليميا مع أرمينيا وإسرائيل، وعربيا مع الإمارات العربية ومصر والسعودية، خاصة وأن ما ب ذل من جهود أواخر سنة 2021 لم يثمر بعد النتائج المرجوة منه.
وبهذا الخصوص، يعلق المحلل السياسي عودة أغلو "إذا أخذنا بعين الاعتبار تصريحات المسؤولين الأتراك مؤخرا ووضعناها في قالب التحليلات يبدو أن عام 2022 سوف يشهد انقلابات كبيرة في العلاقات التركية مع الخارج، والتي يؤمل منها أن تنعكس بمزايا اقتصادية كبيرة على البلاد والعباد".
واستحضر، في هذا الصدد، تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، التي كشف فيها أن عام 2022 سيكون عام انفتاحات إقليمية جديدة، وسيشهد تسارعا في خطوات التطبيع، وقوله: لا نترك أي يد ممدودة لنا معلقة في الهواء، ونخطو خطوتين نحو كل من يخطو خطوة ودية تجاهنا.. نحن حريصون على تجاوز الأزمات والتوترات المرحلية، والإقدام على خطوات تطبيع جديدة (...) يمكن أن يتبع ذلك خطوات أخرى تسهم في تحقيق المصالح القومية لتركيا ورؤيتها الإقليمية والسلم العالمي".
ولفت إلى أن ملف المصالحات الذي فتحته تركيا العام الماضي مع دول الجوار شغلها تماما عن أي مشاكسات سواء مع الاتحاد الأوروبي أو حتى الولايات المتحدة، حيث بقيت العلاقات في حالة هدوء ولم تسجل فيها اختراق لعضويتها الأوروبية أو تحسن كبير في علاقاتها مع واشنطن، لكن في نفس الوقت لم تسجل أي تصعيد جديد في توتر العلاقات.
ومع روسيا، تهدد الأزمة الأوكرانية والملف السوري استقرار العلاقة التي حرص عليها قائدا البلدين طيب أردوغان وفلادمير بوتين، أما مع الولايات المتحدة فلا تزال هذه العلاقة مثقلة بأعباء الكثير من الملفات الخلافية التي تعيق التقارب مع الحليف الأمريكي، بل أكثر من ذلك لم تصرح إدارة بايدن لحد الساعة بوجود رغبة حقيقية في تجاوز عثرات الملفات الشائكة، وتأتي في مقدمتها الدعم الأمريكي للميليشيات الكردية المسلحة، وملف منظومة الدفاع الصاروخي الروسية (إس-400) وإخراج تركيا من برنامج الحصول على مقاتلات (إف-35).
وعلى صعيد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، جاءت التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد، المعارضة صراحة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بمثابة استشراف لمستقبل العلاقات مع هذا التكتل خلال هذه السنة، وكشفت أيضا مدى هشاشة التهدئة مع الجارة اليونان شرق المتوسط، و"بساطة" التقدم الثنائي المحرز مع إيطاليا أو ألمانيا وإسبانيا على سبيل المثال.
ومن دون شك، ستقدم سنة 2022، أجوبة على العديد من التساؤلات حول الواقع التركي على المديين القريب والمتوسط، وستكشف مدى صحة العديد من القراءات والتكهنات بخصوص مستقبل تركيا، والتي تكاد تجمع على أن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة رهين بنجاحه في تجاوز، بالدرجة الأولى، الصعوبات الاقتصادية بانعكاساتها المباشرة على الناخب، "كون الاقتصاد وليس أي من أحزاب المعارضة سيكون المنافس الأبرز للحزب خلال المرحلة المقبلة".