اقتصادكم- حنان الزيتوني
في خضم التحولات العميقة التي تعرفها المنظومة الاقتصادية الوطنية، تتجدد الحاجة إلى أدوات مالية واجتماعية بديلة تعزز التضامن وتساهم في تحقيق العدالة الاقتصادية. ويأتي موضوع الزكاة، باعتبارها إحدى الركائز الاقتصادية في الإسلام، ليفتح من جديد باب النقاش حول سبل إدماج هذه الفريضة في الدورة التنموية الوطنية، خصوصا مع الخطوة اللافتة التي أعلن عنها المجلس العلمي الأعلى يوم 5 شتنبر 2025، عبر إصدار فتوى شاملة حول الزكاة، وتخصيص موقع إلكتروني لتلقي استفسارات المواطنين بشأنها.
فرصة لترشيد الموارد وتنظيم التدفقات
وفي هذا السياق، ترى النائبة البرلمانية نعيمة الفتحاوي أن خطوة المجلس العلمي الأعلى تفتح آفاقا واعدة لإعادة التفكير في آليات تفعيل صندوق الزكاة، الذي ظل منذ إحداثه سنة 1998 مجمدا من دون قانون تنظيمي ولا موارد فعلية، رغم الإشارات المتكررة إليه في القوانين المالية.
وأكدت النائبة في تصريح لموقع "اقتصادكم" أن الزكاة، إذا ما نظمت وأُدمجت بشكل فعلي في السياسات العمومية، يمكن أن تتحول إلى أداة مالية قوية موجهة لدعم التنمية البشرية، والحد من الفقر، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية. كما أشارت إلى أن هذا التفعيل يتطلب رؤية استراتيجية ومؤسساتية واضحة، تشمل إدارة فعالة للصندوق ومجالس استشارية متخصصة تضمن الشفافية وحسن التوجيه.
موارد مهدورة
وأضافت الفتحاوي أن استمرار تعطيل صندوق الزكاة لأزيد من عقدين ونصف يعد هدرا غير مبرر لمورد مالي ضخم يمكن أن يتجاوز، حسب التقديرات، 20 مليار درهم سنويا. وهو ما يشكل فرصة اقتصادية كبرى تقول النائبة، من شأنها أن تساهم في تمويل برامج التنمية المستدامة، خصوصا في المناطق التي تعاني من الهشاشة والبنية التحتية الضعيفة.
وأوردت أن هذه الموارد قادرة على إحداث تغيير هيكلي في السياسات الاجتماعية من خلال دعم مشاريع مدرة للدخل، وتعزيز مبادرات التشغيل الذاتي، وتوفير دعم مباشر للفئات الفقيرة، بما يتيح لها فرصة الانتقال من مستفيدين إلى مساهمين في الدورة الاقتصادية.
3% من الناتج الداخلي
وأشارت النائبة إلى أن تفعيل ركن الزكاة بإمكانه الإسهام بما يقارب 3% من الناتج الداخلي الإجمالي، أي ما يعادل 34 مليار درهم، وفق تقديرات خبراء ماليين. وهو ما يفوق بكثير ما يتم جمعه حاليا (حوالي 3 مليارات درهم فقط)، مما يعكس الهوة الكبيرة بين الإمكانات المتاحة والواقع الفعلي.
وأكدت أن هذا الفرق في الأرقام يبرز حجم الفاقد في القيمة الاقتصادية والاجتماعية للزكاة، ويستدعي تعبئة مؤسساتية وتشريعية عاجلة لفتح المجال أمام الأسر القادرة على الإنتاج للاستفادة من تمويل مشاريع تنموية، وفي الآن نفسه دعم الفئات غير القادرة على العمل.
دمج الزكاة في السياسات العمومية
وأوردت الفتحاوي أن عددا من المقترحات سبق أن قدمت للجهات الرسمية عبر دراسات متخصصة، تدعو إلى إدماج الزكاة ضمن السياسات العمومية. ومن بين هذه المقترحات: تشكيل مجلس إدارة خاص بالزكاة، ومجلس للمزكين الكبار، ومجلس لتحديد المستفيدين، إلى جانب لجنة استشارية تعنى بالإفتاء الزكوي.
وأشارت إلى أن اعتماد هذه البنية المؤسساتية من شأنه أن يحول الزكاة إلى أداة فعالة في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ويضمن استدامة الموارد وفعالية استخدامها بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، وتحقيق التمكين الاقتصادي للأسر الهشة.
وأشارت نعيمة الفتحاوي في تصريحها، إلى أن المبادرة التي أطلقها المجلس العلمي الأعلى تشكل لحظة مفصلية لإعادة الاعتبار للزكاة كأداة مالية وتنموية واقعية، بعيدا عن الحصر الفقهي أو الطابع الخيري المحدود. وتبرز الحاجة إلى إرادة سياسية وتشريعية جادة لتفعيل صندوق الزكاة، وإدماجه في السياسات الاقتصادية الكبرى، بما يضمن توازنا أفضل بين العدالة الاجتماعية والاستقرار المالي، ويعيد الثقة في المؤسسات من خلال ربط الدين بالتنمية.