لماذا يُراهن المغرب على الهيدروجين الأخضر؟

آخر الأخبار - 25-06-2025

لماذا يُراهن المغرب على الهيدروجين الأخضر؟

اقتصادكم

 

أطلق المغرب رسميًا سباقه الاستراتيجي نحو سوق الهيدروجين الأخضر العالمي، معتمدًا على استثمارات تتجاوز 300 مليار درهم، معلِنا بذلك طموحه في أن يصبح منصة طاقية محورية في المنطقة. 

ففي ظل الطلب المتنامي عالميًا على مصادر الطاقة النظيفة، تتجه أنظار العالم نحو المملكة، خصوصًا في ظل انخراط كبريات المجموعات الدولية في مشاريع ضخمة بالأقاليم الجنوبية.

سباق عالمي... والمغرب يدخل بقوة

يمر سوق الهيدروجين العالمي بمرحلة تحول عميقة إذ تشير التقديرات إلى أن الإنتاج العالمي يبلغ حاليًا نحو 100 مليون طن، وسط تغييرات جذرية فرضتها متطلبات إزالة الكربون. كبار المستهلكين حول العالم (المعروفون بـ"off-takers") يبحثون بشكل متزايد عن مصادر للهيدروجين منخفض الكربون، وهو ما يفتح الباب أمام دخول دول جديدة كالمغرب بقوة إلى هذه السوق.

إلى حدود نهاية سنة 2024، تم اعتماد مشاريع بقيمة تفوق 75 مليار دولار على مستوى العالم، بينما تُدرَس مشاريع إضافية تتراوح قيمتها بين 200 و300 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة. وفي هذا السياق، لم يعد المغرب يتقدم بخطى حذرة، بل يُسرّع الوتيرة.

ففي مارس 2025، صادق المغرب على ستة مشاريع صناعية كبرى في جهات العيون، كلميم، والداخلة، بقيمة إجمالية بلغت 319 مليار درهم (أي ما يقارب 30 مليار يورو)، في رسالة واضحة إلى العالم مفادها: المغرب لاعب رئيسي في سوق الهيدروجين الأخضر العالمي.

مقومات طبيعية لا تُضاهى

يعوّل المغرب على تفوقه الطبيعي الفريد، حيث تسجّل مناطقه الجنوبية نسبًا عالية من الإشعاع الشمسي، إلى جانب رياح قوية ومنتظمة، ما يسمح بإنتاج الهيدروجين الأخضر بأحد أدنى التكاليف عالميًا، تُقدَّر بحوالي 2 دولار للكيلوغرام، حسب معطيات "المعهد المغربي لأبحاث الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة (IRESEN)".

هذه التكلفة تُعتبر حاسمة لجعل الهيدروجين الأخضر بديلاً تنافسيًا للطاقات الأحفورية، خاصة في الصناعات الثقيلة (كالصلب، والإسمنت، والأسمدة)، وقطاع الطاقة، والنقل البحري.

شراكات دولية

من بين التحالفات الدولية التي حظيت بموافقة المغرب، نجد مجموعة ORNX التي تضم شركات من الولايات المتحدة (Ortus)، إسبانيا (Acciona)، وألمانيا (Nordex)، والتي ستركز على إنتاج الأمونياك الأخضر. كما تم اختيار شركات كبرى مثل طاقة Taqa، وCEPSA، وناريفا، بالإضافة إلى مجموعة China Three Gorges الصينية، ما يُبرِز الزخم الدولي الكبير حول الإمكانات المغربية.

الأمونياك الأخضر... سلاح المغرب الجديد

واحدة من المفارقات الاقتصادية التي يسعى المغرب إلى تصحيحها تتمثل في استيراده سنويًا لأمونياك بقيمة تفوق 2 مليار دولار، رغم كونه يمتلك أكبر احتياطات الفوسفات في العالم. من خلال إنتاج أمونياك أخضر محليًا، قادر على الارتباط بالفوسفات، سيتمكن المغرب من إغلاق دائرة إنتاج الأسمدة، وتعزيز اكتفائه الذاتي، ومضاعفة قيمة صادراته الصناعية.

الهيدروجين: خيار سيادي واستراتيجي

يرى المغرب في الهيدروجين الأخضر ورقة استراتيجية للسيادة الطاقية والصناعية. ففي أعقاب الحرب في أوكرانيا، تغيّرت خارطة الطاقة في أوروبا، حيث تعتزم ألمانيا –على سبيل المثال– استيراد نحو 70% من حاجياتها من الهيدروجين، مما يجعل المغرب شريكًا طبيعيًا وموثوقًا.

وفي هذا الإطار، تم التوقيع على إعلان نوايا مغربي-ألماني في يونيو 2024 لتشجيع الاستثمارات والربط الطاقي، حيث صرّحت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، بأن: "المغرب أصبح منارة في التحول الطاقي بالمنطقة."

من جهة أخرى، من المنتظر أن يُشكّل مشروع أنبوب H2Med، الذي سيربط المغرب بالبرتغال، إسبانيا، وفرنسا، بوابة مباشرة إلى السوق الأوروبية، مع إمكانية نقل الأمونياك كمشتق سهل التخزين والنقل.

ولا يتعلق رهان الهيدروجين الأخضر فقط بالمناخ، بل هو خيار استراتيجي يعيد رسم ملامح السياسة الصناعية المغربية. فالمملكة تمتلك الإمكانيات لتتحول إلى مزود أساسي للطاقة النظيفة لأوروبا، وقوة إقليمية صناعية جديدة، شريطة إنجاح مسار التنفيذ، وضمان حوكمة رشيدة، وتكوين الكفاءات، وتسريع التصنيع المحلي.