اقتصادكم
حقق المغرب خلال السنوات الأخيرة إنجازا صناعيا بارزا، جعله يحتل صدارة صناعة السيارات في إفريقيا، كما يرسخ مكانته كفاعل صاعد في مجال الصناعات الجوية، إذ لم يعد الرهان يقتصر على جذب الاستثمارات الأجنبية فقط، بل اتجهت المملكة نحو بناء منظومة صناعية متكاملة، تقوم على الاندماج المحلي، وتشجع الابتكار والاقتصاد الأخضر، مدفوعة برؤية استراتيجية واضحة.
قطاع السيارات: من التصنيع إلى الابتكار
في تصريح خاص لموقع "اقتصادكم"، أوضحت وزارة الصناعة أن سنة 2024 شهدت طفرة نوعية في قطاع السيارات، حيث اقتربت القدرة الإنتاجية من مليون سيارة سنويًا، مدفوعة بأداء قوي لمجموعتي "رونو" و"ستيلانتيس"، بالإضافة إلى شبكة من "أكثر من 260 مزودًا" عبر جهات المملكة.
بلغت صادرات القطاع مستوى غير مسبوق قدره 157 مليار درهم، بزيادة قدرها 148% خلال أقل من عشر سنوات. كما حققت السيارات المصنعة محليًا نجاحًا لافتًا في السوق الأوروبية، حيث تصدرت "داسيا سانديرو" قائمة السيارات الأكثر مبيعًا في أوروبا، تليها "بيجو 208" المصنعة في المغرب أيضًا.
الطموح المغربي لا يتوقف عند هذا الحد، إذ تهدف الاستراتيجية الصناعية إلى مضاعفة إنتاج السيارات إلى مليوني وحدة سنويًا بحلول 2030، مع التركيز على السيارات الكهربائية والهجينة. ويخطط المغرب لإنتاج 100 ألف سيارة كهربائية بحلول 2025، إلى جانب تصنيع مليوني وحدة سنويًا في أفق 2030، ضمن رؤية شاملة للتموقع في سلاسل القيمة العالمية الجديدة.
التكوين والابتكار: عماد السيادة الصناعية
وعيًا منها بأهمية الكفاءات الوطنية، حرصت وزارة الصناعة على تطوير منظومة متكاملة للتكوين، تشمل:
أكثر من 280 مركزًا للتكوين المهني، منها 42 مركزًا مخصصًا للقطاع الصناعي، و8 لقطاع السيارات.
شبكة معاهد "IFMIA" المتخصصة بكل من الدار البيضاء وطنجة والقنيطرة.
مشاريع 12 مدينة للمهن والكفاءات (CMC) التي تُحدث تحولًا نوعيًا في ربط التكوين بسوق الشغل الصناعي.
إلى جانب ذلك، تم إطلاق "صندوق دعم الابتكار الصناعي" لتمويل المشاريع المبتكرة في الصناعة المغربية عبر ثلاث مراحل: دراسة الفكرة، تصنيع النموذج، ثم الإنتاج الصناعي، بدعم يصل إلى 4 ملايين درهم لكل مشروع.
رهان استراتيجي على البطاريات الكهربائية
من أبرز ما يميز التحول الصناعي المغربي هو بناء منظومة لصناعة البطاريات الكهربائية، وهو رهان استراتيجي في ظل التحول العالمي نحو التنقل النظيف. وقد تم:
توقيع اتفاقية مع مجموعة "BTR New Material Group" لإنشاء مصنع بمبلغ يفوق 3 مليار درهم.
إبرام شراكة بين صندوق "المدى" والمجموعة الصينية "CNGR" لإنشاء مصنع بقيمة 20 مليار درهم بالجرف الأصفر، ما يضع المغرب على خريطة الدول المصنعة للبطاريات عالميًا.
دور حاسم للمقاولات الوطنية
تولي الاستراتيجية الصناعية أهمية كبرى للمقاولات الوطنية الصغرى والمتوسطة باعتبارها رافعة للإدماج المحلي وخلق القيمة. وتعمل الوزارة على تمكين هذه المقاولات من الاندماج في سلاسل التوريد عبر:
الميثاق الجديد للاستثمار، الذي يقدم تحفيزات مالية وضريبية.
برامج دعم الصادرات مثل "Go-To-Market" و"Export Morocco Now"، بميزانية تصل إلى 100 مليار درهم، منها 12 مليار مخصصة للسوق الإفريقية.
الصناعة الجوية: دقة في الأداء وارتفاع في التموقع
إلى جانب السيارات، يواصل قطاع الطيران ترسيخ موقعه كمجال صناعي دقيق وواعد. فقد نجح المغرب في استقطاب كبرى الشركات العالمية مثل "بوينغ" و"سافران" و"أيرباص"، مما جعله يحتل مرتبة متقدمة ضمن الدول الموردة للمكونات عالية الدقة.
يُنتج المغرب اليوم أجزاء من هياكل الطائرات، وأنظمة الملاحة، وكابلات كهربائية جوية، ويتمتع بنسبة اندماج محلي مهمة قاربت 40% في بعض الوحدات الصناعية. كما تحتضن جهتا الدار البيضاء وطنجة أبرز المنصات الصناعية الجوية، مدعومة ببنية تحتية حديثة وشراكات مع معاهد التكوين المتخصصة.
إن التحولات التي يعرفها المغرب في قطاعي السيارات والطيران تُبرِز قدرته على الانتقال من دور المصنع إلى دور الفاعل الصناعي الشامل، المبني على الابتكار، والإدماج المحلي، والتموقع الاستراتيجي في سلاسل القيمة العالمية. ومع استمرار تفعيل الاستراتيجيات الوطنية وتعزيز الشراكات، يبدو أن المغرب يسير بثقة نحو ترسيخ موقعه كـ "قوة صناعية إقليمية ووجهة للابتكار والإنتاج المستدام".