هجرة الأدمغة.. نزيف مستمر يهدد مستقبل التنمية بالمغرب

آخر الأخبار - 09-07-2025

هجرة الأدمغة.. نزيف مستمر يهدد مستقبل التنمية بالمغرب

اقتصادكم - حنان الزيتوني

 

بالرغم من الجهود المبذولة للحفاظ على الكفاءات الوطنية، لا تزال ظاهرة هجرة الأدمغة مستمرة بوتيرة متصاعدة، مما يطرح تساؤلات عميقة حول قدرة المغرب على تأمين حاجياته من الرأسمال البشري المؤهل، خاصة في المجالات الصناعية والتكنولوجية والرقمية. وفي هذا الصدد، دق مؤخرا والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، ناقوس الخطر، حينما أكد أن المغرب يعيش نزيفا مقلقا في كفاءاته التقنية والهندسية، بات يهدد مستقبل مؤسساته الحيوية.

وأضاف الجواهري، في حديثه على هامش المنتدى الـ23 للاستقرار المالي الإسلامي، أن بنك المغرب نفسه يخسر سنويا حوالي 20 مهندسا ومبرمجا، يتم استقطابهم من طرف مؤسسات أجنبية بفضل عروض وظيفية لا تقوى المقاولات والإدارات الوطنية على منافستها.

أرقام صادمة 

ووفقا للخبير الاقتصادي إدريس الفينة، ينتج النظام التعليمي المغربي ما بين 11,000 و24,000 مهندس وتقني سنويا، يمثل النساء منهم حوالي 42%، وهو ما يعكس مجهودا معتبرا على مستوى التكوين.

ويضيف الخبير في اتصال مع موقع "اقتصادكم"، غير أن هذه الوفرة العددية لا تجد صدى إيجابيا في سوق الشغل المحلي، إذ يبلغ معدل البطالة في صفوف المهندسين والخريجين الجدد حوالي 17.9%، ما يدفع أعدادا كبيرة منهم إلى الهجرة نحو الخارج بحثا عن فرص أفضل.

وفي المقابل، يقدر عدد المهندسين الذين يغادرون المغرب سنويا بما بين 2,700 و3,700 مهندس، منهم أكثر من 700 مهندس بشكل مباشر، دون احتساب آلاف المبرمجين والتقنيين المتخصصين، خاصة في مجال التكنولوجيا.

وتشير التقديرات إلى أن حوالي 8,000 مهندس ومبرمج مغربي يهاجرون سنويا نحو دول مثل ألمانيا، كندا، فرنسا، والولايات المتحدة، حيث يجدون بيئات مهنية أكثر جاذبية.

كلفة اقتصادية وتنموية ثقيلة

ومن جهة أخرى نبه إدريس الفينة إلى أن هذه الهجرة لا تمثل فقط خسارة بشرية، بل أيضا نزيفا ماليا صامتا. فتكلفة تكوين مهندس مغربي تتراوح بين 50,000 و100,000 درهم، ما يجعل خسارة 3,000 مهندس تعادل استنزافا ماليا يتراوح بين 150 و300 مليون درهم سنويا من الأموال العمومية المستثمرة في التعليم العالي.

لكن الخسارة الأهم، يوضح الخبير تكمن في فقدان فرص الابتكار والإنتاج والمعرفة، ما يعرقل بناء اقتصاد تنافسي يعتمد على العقل والكفاءة، بدلا من التبعية والعمالة الرخيصة.

غياب بيئة محفزة

وحمل الفينة، في اتصال مع موقع "اقتصادكم"، جزءا كبيرا من المسؤولية إلى غياب رؤية وطنية شاملة لتأطير التكوين وربطه بسوق الشغل، بالإضافة إلى ضعف الاستثمار في البحث والتطوير، وتردد المقاولات المغربية في احتضان الكفاءات التقنية ومنحها أجورا وفرصا للتطور المهني.

وفي المقابل، تقوم الدول المستقبلة بتقديم حوافز واضحة، وتسهل إجراءات التأشيرات والتوظيف، ما يفاقم من استنزاف الرأسمال البشري المغربي، حسب الخبير.

وتابع مؤكدا أن الحل لا يمكن أن يكون عبر محاولات منع الهجرة أو إطلاق شعارات وطنية عاطفية، بل من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وخلق بيئة حاضنة ومحفزة للكفاءات.

واقترح الخبير نفسه، إطلاق مشاريع صناعية وتكنولوجية كبرى تفتح المجال أمام تشغيل المهندسين والتقنيين داخل المغرب، كذلك تحفيز المقاولات على الابتكار والبحث العلمي، وربط الدعم العمومي بتحقيق نسب تشغيل فعلية للكفاءات المغربية وتفعيل برامج استقطاب للكفاءات المغربية بالخارج، إضافة إلى استثمار خبراتهم في مشاريع وطنية استراتيجية.