اقتصادكم
عبد الحق نجيب وجود شعري متفرد مختلف يكون او لا يكون حسب مقولة شكسبير الشهيرة وكأنه نوع من الفلسفة دون تحديد المفاهيم تبحر في عالم غني سوريالي منتشي بمفردات وحروف تتقادف بين الحقيقة ببديهيتها والخيال المفعم بالأحساس المميز بشغف عدم الاستقرار وعدم الاستسلام حالتين روحانيتين ساحرتين لهما القدرة على الإدهاش بجاذبية عميقة غير مسبوقة مرآتهما دواخل ذات مخضرمة عاكسة لبلورات قوى الجمال بكل معانيها الرمزية ومحاكاتها السردية البديعة لمجمل نصوصه الشعرية ابتدائا من " البلد حيت تتكلم الاحجار " مرورا "بالشمس في قلب الرجال" و" لحظة موتي " و"روح العالم " " مقامات إلاهية" "لا إلاه في المدار " " صورة شخصية بحمض السلفريك " وصولا الى "نهاية مجد العالم " كلها تجمع بين استحواد الإنتباه اللافت لعناوينها المشوقة والمثيرة للقرائة وبين لغة ملتوية جذابة غنية بالصور البلاغية والرموز العميقة والتشكيلات الفنية للايقاع اللغوي الملون للاستعارات و الأصوات المنغمة للمفردات الرنانة التي تعطي منحى اخر للاتجاهات السائدة بتغيير مجراها العادي المنطقي الى الابداعي المغامر الغني بالصدف والمجهول وبذالك تخرج عن الجدار الواقي للمعاجم .
يميل شعره للوضوح والشفافية ، للمفاجأة والإبداع، لعشق اللغة والتغزل بقوتها وسحر سلطتها، للتوسل والقدسية كصلاة يتعبد من خلالها بصوت داخلي وكأنه يناجي ذاته عبر الزمكان في حجة طويلة داعيا للمعرفة ولو من خلال المتاهات منشدا بالفجر معبرا عن أصدق تعبير للروح ومناقشا لقضايا اجتماعية علمية أواقتصاذية أوحقوقية أو وجودية ايظا تهم العيش الكريم لكل للكائنات الحية بدون استثناء أكانت انسان ام حيوان ام نبات ام طبيعة هواجسه رائعة وغريبة وكأن روحه واصية على الأرض أتسائل ما هذا الجمال سبحان الله. يمكن إرجاء هذا النوع من الشعر الى تحولات وأزمة ضخمة في القيم والمبادئ هزت العالم مؤخرا أصبحت فيه بعض التفاصيل مهما صغرت أجدى للاحتفاء بها دون غيرها كتأثير بسمة طفل شريد، صدق جمال احساس عميق، رقصة روح وجسد جاذب، موسيقى لحن منغوم واللائحة طويلة لمن يلتفت اليها وهذا لايعني ان قصائده تقف عند حدود الوجدان بل تتخطاه الى التخيل والحدس الفكري تاركة العنان لصور وألوان ومواد نادرة وحواس ومشاعر وفضاءات بأزمنة وأمكنة سابحة في سفر طويل أبدي لروح انسانية خلاقة. الله هو الوحيد الأكثر علما بمصيرها.
ألسنها طيبة ولكن غير ساذجة قوية بدون مغالات معتدلة وصحيحة مشاكسة بطبعها مغامرة ترغب في اكتشاف المجهول. ببساطة حياة ذات قيمة وموقف ومبدأ منصهرة بنورها الداخلي مبدعة، متناقضة. مقنعة متصالحة مع ذات الشاعر قادرة على معرفة أغوارها ومجاهلها وبالتالي قادرة على الوصول إلى ذوات أخرى وعلى العيش باستحقاق وكرامة بما يخالجها. وهي طريقة خاصة للبقاء، للعيش، للحياة بالمعرفة بالفن بالشعر، بالحدس بالعمق في سراديب الأفكار الجديدة المتسربلة المنهمرة من كثرة الفيض. لكل المميزات المذكورة اعتبر عبد الحق نجيب مرآة شعر لروحه وعصره وهموم مجتمعه اصطفاه الله برهافة الحس وصدق الالهام ليعكس الألم والأمل ويؤدي رسالته الانسانية الشعرية التي خلق من أجلها فهو بذلك شاعر حق و موضوع تفاعل معاصر لشخصيات ادبية فكرية مجايلة له من الشعراء والمبدعين.
شاعرنا مختلف استطاع بموهبته الفذة ان يكون ناطقا باسم الثقافة والابداع جمع من حوله القلوب والعقول فكتبوا عنه شاعرا وناثرا وصحفيا وفيلسوفا وروائيا بلسان صدق وحق وهو ايظا بادلهم بالمثل كأخد وعطاء .
كشاعرة تكتب عن شاعر أقول أن للمراة دور كبير في شعره مدهش بتفاصيل دافئة ودقيقة تنبعث من معاشه الطفولي خصوصا في علاقته بأمه التي لعبت دورا كبيرا في تكوينه بنصائحها وعملها وعاداتها وتقاليدها وخطابها المباشر حول كيفية العثور على الحب السامي المفقود وضرورة الاعتناء به في ذكرى غيابه وان يكون منزها عن الجنس وبذلك يمنح الحرية الحقيقية ويعطي نضرة عما وراء الوعاء الذي يصهر فيه المعدن .
الشيء الذي يحثه على لغة معبرة ذالة بقدر ما يحسها يراها تحمل حيوية الحياة بمخزونها اليومي الواقعي والخيالي الحالم مما يجعله يربطها دائما بالطبيعة في أمكنتها وأزمنتها وموادها كالمعادن المتحولة بتدرج و استعمالات متعددة في تزيين عيون المرأة وفي صنع حروف الطباعة قديما ومداوات بعض الجروح كالانتمون او الكحل المغربي ليعكس بصور بلاغية قوية رمزية التحول الواجب سلكه في اعماقنا للوصول الى الانصهار مع بوثقة النور وبالتالي شعره لا يخلو من مواقف وايمان عميق بالمراة وقدراتها وقضاياها الفاعلة ككائن رائع رقيق وفاعل مكمل للرجل متمثل في الام والطفلة والفتاة والاخت والصديقة والمبدعة يكره من يعتدي عليها ويسلب حقوقها باعتبارها ذات وروح غنية بقدر شفافيتها بقدر قوتها كالعشب الناعم ينحي أمام النسيم ولا ينكسر امام العاصفة.
خير دليل على ذلك أنشطه المكتفة على شرفها وكذا تشجيعها على النشر من خلال دار النشر اوريون التي أسسها بغية حرية التعبير . وكذلك نراه دائما وفي مجمل كتبه ودواوينه يهديها الى امه وابنته وابيه.
اما بالنسبة لوضعية الكتاب بالمغرب يراها ضعيفة وتضاهرت معرض الكتاب في تدهور مستمر لا يرقى الى المستوى المطلوب وذلك يعود لعزوف المواطن المغربي عن القرائة الا بعض الاستثناءات مرد ذلك الى اجتياح لوسائل التواصل الاجتماعي التي اذكت التفاهة فاصبحت امرا عاديا. وعن طقوس الكتابة لديه فهو يكتب في اي وقت بدون اسثتناء مخصصا 8 ساعات متواصلة على الاقل يوميا مع التحلي بالانضباط برفقة الوصلات الموسيقية و كؤوس الشاي. فهو يظن ان الكتابة والفن هما ابداع وحرفية لان الكتابة بالنسبة له مسؤولية كبيرة يجب ان يأخدها كل الكتاب بجدية ليكونوا فاعلين واحسن ممثلي الثقافة لان الكتابة يجب ان تكون احتياج منبعث من الأحشاء وان تكون لصيقة بالذات يوميا مدى الحياة .
الكاتبة والفنانة التشكيلية
هناء ميكو