المغرب الذي أنقذ "الكان" في آخر لحظة.. حكاية نسخة 1988 بين المجد الضائع والذاكرة التي لا تمحى

كأس أفريقيا "اقتصادكم" - 18-12-2025

المغرب الذي أنقذ "الكان" في آخر لحظة.. حكاية نسخة 1988 بين المجد الضائع والذاكرة التي لا تمحى

اقتصادكم - أسامة الداودي

قبل أن تعود كأس أمم إفريقيا إلى المغرب في 2025، كانت ذاكرة الكرة الإفريقية قد خزّنت نسخة أخرى استثنائية على أرضية الملاعب نفسها تقريبًا. 


الشعار الرسمي لبطولة كأس أمم إفريقيا 
"المغرب 1988"

في ربيع 1988، تحول مركبا الدار البيضاء والرباط إلى مسرح لصراع تكتيكي حاد، انتهى بتتويج كاميروني وندبات مغربية لم تُمح بعد.
الدورة الـ16 من البطولة الأرقى قاريا، جاءت بعد اعتذارات متتالية، وأنقذت العاصمتان الإدارية والاقتصادية سمعة الاتحاد الإفريقي، لكنها تركت المنتخب خارج منصة التتويج.

من زامبيا إلى الجزائر.. ثم المغرب كمنقذ أخير

كان من المفترض أن تجري دورة 1988 في زامبيا، بعد أن حصلت على حق التنظيم خلال اجتماع المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي في القاهرة سنة 1985. 
لكن، بعد عام من ذلك، اضطرت البلاد للاعتذار بسبب ضائقة مالية وعجز واضح في البنيات التحتية، لتؤول المهمة إلى الجزائر. 
غير أن خلافاً حاداً نشب بينها وبين “الكاف” حول إعادة مباراة الجزائر وتونس في دورة الألعاب الإفريقية، دفعها إلى الانسحاب ورفض تنظيم البطولة.
وجد الاتحاد الإفريقي نفسه في مأزق حقيقي: البطولة على الأبواب ولا بلد جاهزا لاستقبالها. 

عبد اللطيف السملالي
وزير الدولة للشباب والرياضة المغربي 

بين 1983 و 1992

ملاعب محدودة ومشاركة 8 منتخبات

جرت منافسات الدورة بين 13 و27 مارس 1988، بمشاركة ثمانية منتخبات فقط، وفق الصيغة المعمول بها آنذاك. 
تم تقسيم المنتخبات إلى مجموعتين: الأولى جرت مبارياتها في الدار البيضاء بمركب محمد الخامس، وضمت المغرب والجزائر وساحل العاج وزائير، بينما الثانية في الرباط بمركب الأمير مولاي عبد الله، وضمت الكاميرون ونيجيريا ومصر وكينيا.

تشكيلات المنتخبات الثمانية 
المشاركة في "كان 1988" بالمغرب

كانت المنافسة مكثفة، إذ لم تتجاوز مباريات الدورة 16 مواجهة سجل خلالها 23 هدفا فقط، وهو المعدل الأقل في تاريخ البطولة (1.44 لكل مباراة)، ما يعكس القوة الدفاعية والإيقاع التكتيكي المحافظ الذي ميز تلك الحقبة.

"أسود الأطلس".. تصدر ثم سقوط غير متوقع

دخلت كتيبة المدرب المهدي فاريا الدورة بحماس كبير عقب الإنجاز التاريخي في كأس العالم 1986 بالمكسيك، حين بلغ الدور الثاني كأول منتخب عربي وإفريقي يحقق ذلك. 
ومع هذا الزخم، كان “الأسود” من أبرز المرشحين للقب، خاصة أنهم يلعبون فوق أرضهم وأمام جماهيرهم.
تصدر المغرب مجموعته بأربع نقاط بعد التعادل مع زائير، والفوز على الجزائر بهدف وحيد، ثم التعادل مع ساحل العاج دون أهداف. 
غير أن حلم النهائي سقط في نصف النهاية أمام الكاميرون بهدف سريل ماكاناكي، في مباراة ما زالت تُذكر بسبب الجدل التحكيمي والاندفاع البدني العنيف لرفاق روجي ميلا.
وفي مباراة تحديد المركز الثالث، خسر المنتخب المغربي أمام نظيره الجزائري بركلات الترجيح بعد نهاية المباراة بالتعادل 1–1، ليكتفي بالمركز الرابع، وسط خيبة جماهيرية كبيرة آنذاك.

صورة من مباراة المغرب والجزائر
في مباراة تحديد المركز الثالث بالبطولة

الكاميرون تتوج مجددا.. والنهائي يعيد ذكريات 1984

النهائي الذي جمع الكاميرون ونيجيريا بالدار البيضاء شكل إعادة لسيناريو نسخة 1984، وانتهى بنفس البطل. 
فبهدف من ركلة جزاء نفذها إيمانويل كوندي، توجت "الأسود غير المروضة" باللقب القاري الثاني، مؤكدة هيمنة جيلها الذهبي بقيادة المدرب كلود لوروا ولاعبين بارزين مثل روجي ميلا وجوزيف أنطوان-بيل.

لحظة تتويج المنتخب الكاميروني 
بلقب كأس أمم إفريقيا "المغرب 1988"

أما المنتخب النيجيري، بقيادة أسماء لامعة يتقدمها رشيدي ياكيني، فقد ظهر بمستوى قوي لكنهم افتقدوا اللمسة الأخيرة في النهائي.

نجوم بصموا الدورة.. وغياب تهديفي غير مسبوق

تألقت في النسخة مجموعة من الأسماء التي صنعت مجد الكرة الإفريقية، فقد اختير النجم الكاميروني روجي ميلا أفضل لاعب في النسخة، فيما فاز مواطنه جوزيف أنطوان بيل بجائزة أفضل حارس. 
روجي ميلا
أحد أساطير كرة القدم الكاميرونية وأفضل لاعب ببطولة كان "المغرب 1988"


أما لقب الهداف فقد تقاسمه أربعة لاعبين بهدفين لكل منهم: لخضر بلومي، روجي ميلا، جمال عبد الحميد، وعبدولاي تراوري.
وهي أرقام تعكس اتجاها دفاعيا عاماً في البطولة، إذ لم تُسجّل سوى 23 هدفاً، بمعدل 1.44 هدف في كل مباراة.

1988.. محطة رسخت مكانة المغرب كقوة تنظيمية

رغم الإقصاء المرير لرفاق بادو زاكي، خرج المغرب من نسخة 1988 بسمعة تنظيمية قوية، بحيث أُقيمت البطولة بشكل ناجح رغم ضيق الوقت، وبإمكانات لوجستية واحترافية أكسبت المملكة ثقة القارة. 
وتظل دورة 1988 علامة فارقة في تاريخ الكرة المغربية والإفريقية. 
دورة أنقذتها المملكة في آخر لحظة، لكنها استطاعت تحويلها إلى حدث ناجح رسخ اسم المغرب كبلد قادر على تنظيم أكبر المواعيد القارية.

صورة للاعبي المنتخب المغربي 
مرفوقين بولي العهد آنذاك محمد والأمير هشام