أشاد بها بيل غيتس وصنفت في "تايم 100".. أسمهان الوافي: العقل المغربي الذي يغير وجه الأمن الغذائي العالمي

ملفات خاصة - 02-05-2025

أشاد بها بيل غيتس وصنفت في "تايم 100".. أسمهان الوافي: العقل المغربي الذي يغير وجه الأمن الغذائي العالمي

إسمهان الوافي ووزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن

اقتصادكم - سعد مفكير

 

في لحظة تاريخية تضاف إلى مسيرتها العلمية، أدرجت مجلة "تايم" الأمريكية الدكتورة أسمهان الوافي، الباحثة المغربية البارزة في مجال علم وراثة النباتات، ضمن قائمة "أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم لعام 2025". 

نشأت أسمهان في مدينة اليوسفية، حيث تلقت تعليمها في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، ثم واصلت دراستها في جامعة قرطبة الإسبانية، لتبدأ مسيرتها المهنية التي قادتها إلى مناصب مرموقة في كندا والإمارات العربية المتحدة. من أبرز محطاتها، توليها منصب مديرة عامة للمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) في دبي، ثم تعيينها كبيرة العلماء في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).​

تُعرف أسمهان ببحوثها الرائدة في مجال استخدام المياه غير العذبة في الزراعة، وتطوير محاصيل مقاومة للملوحة، بالإضافة إلى جهودها في تمكين المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، حيث حصلت على العديد من الجوائز الدولية، منها وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط من الملك محمد السادس، وجائزة الامتياز في العلوم من منتدى المفكرين العالميين.​

وأشاد بيل غيتس في مقال خاص بمجلة TIME بقيادة الدكتورة أسمهان الوافي وخبرتها العميقة، مؤكداً أن “الوافي تمتلك المفاتيح لإطعام مستقبلنا”، مشيداً بدورها في تعزيز الأمن الغذائي ومواجهة تحديات المناخ، خصوصاً في المناطق الهشة.

في هذا الحوار مع موقع "اقتصادكم"، نغوص في مسار أسمهان الوافي، المديرة التنفيذية للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية (CGIAR)، ونستعرض رؤيتها حول دور المرأة والشباب في العلوم، وتحديات الأمن الغذائي.​

تهانينا على اختيارك ضمن قائمة أكثر 100 شخصية تأثيرًا في العالم لسنة 2025 بحسب مجلة TIME! كيف استقبلتِ هذا الخبر، وماذا يعني لكِ هذا التكريم على الصعيدين الشخصي والمهني؟

استقبلت الخبر بمزيج من الدهشة والامتنان. كان أمرًا غاية في التواضع، خاصة أنني أُدرجت ضمن قائمة ضمت أسماء طالما أعجبت بها. شخصيًا، هي لحظة عميقة للتأمل في المسار الذي أوصلني إلى هنا. ومهنيًا، هو اعتراف قوي بأهمية العلم والابتكار والقيادة الشاملة في بناء عالم أكثر أمنًا غذائيًا، وأعتقد أن هذا التكريم ليس لي وحدي، بل هو لكل العلماء والشركاء الذين عملت معهم ضمن "سي جي آي إيه آر" (CGIAR) وخارجها.

مسيرتكِ المهنية اتسمت بإنجازات رائدة في مجال العلوم الزراعية والأمن الغذائي. بالنظر إلى الماضي، ما هي اللحظات الفاصلة التي طبعت مسارك؟

من اللحظات الفاصلة في مساري كان تحضيري للدكتوراه حول القمح الصلب بالتعاون مع مركزَي "إيكاردا ICARDA" و"سيميت CIMMYT" التابعين لـCGIAR، وعدد من الجامعات المتميزة، من بينها جامعة قرطبة، جامعة كورنيل، جامعة مكغيل، وجامعة توشيا، وبتمويل من مؤسسة أبحاث وتطوير الحبوب الأسترالية (GRDC). كانت شراكة دولية استثنائية منحتني أساسًا علميًا متينًا، وفتحت عيني على قوة التعاون العالمي في البحث الزراعي. هذه التجربة لم تُصقل فقط خبرتي التقنية، بل أيضًا إيماني العميق بالعلم الشامل والتعاوني لمواجهة التحديات الواقعية، لا سيما التي تواجه صغار المزارعين في المناطق الجافة.

بصفتكِ مدافعة منذ فترة طويلة عن الابتكار الشامل في العلوم، كيف ترين أن هذا التكريم قد يُسهم في تعزيز حضور النساء والشباب في مجالات العلوم والتكنولوجيا، خصوصًا من دول الجنوب؟

آمل أن يُرسل هذا التكريم رسالة واضحة: أن نساء الجنوب العالمي لهن مكان في العلم، وفي قيادته أيضًا. فالتمثيل مهم، والرؤية قد تغير السرديات. إذا استطاعت فتاة واحدة أن ترى نفسها في هذه اللحظة وتشعر بالقوة لتلتحق بالعلم بشجاعة، فإن هذا التكريم قد أحدث أثره بالفعل. هدفي هو الاستمرار في خلق منصات تُعلي من شأن النساء والشباب، وتمنحهم الأدوات والصوت لقيادة الحلول التي نحتاجها بشكل عاجل.

القيادة في نظم الغذاء العالمية مسؤولية جسيمة. ما أبرز التحديات التي ترينها حاليًا في هذا المجال؟ وأين تكمُن الحاجة المُلحّة للتغيير الجذري؟

أكبر تحدٍّ نواجهه اليوم هو الترابط العميق بين الأزمات: تغيّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وعدم المساواة، والنزاعات، وكلها تتقاطع داخل نظمنا الغذائية. التغيير الجذري الأكثر إلحاحًا يجب أن يحدث عند تقاطع الصمود المناخي والعدالة. علينا إعادة التفكير في كيفية إنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه، مع ضمان أن تكون التكنولوجيا والعلم في متناول الفئات الأكثر هشاشة. الأمر لا يقتصر على الابتكار فقط، بل على الابتكار الشامل الذي يخدم الإنسان والكوكب معًا.

كيف أثّرت خلفيتكِ الشخصية والأكاديمية في أسلوبك في حل المشاكل وقيادة التغيير على المستوى الدولي؟

نشأتُ في أسرة مغربية بسيطة، وتعلّمت مبكرًا قيمة التعليم والعمل الجاد. تعليمي الأكاديمي في مجال علم الوراثة علّمني التفكير المنهجي، والفضول، والصبر أمام المجهول. وعيشي وعَملي في قارات متعددة—من شمال إفريقيا، وأوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، وكندا، وصولًا إلى المحيط الدولي —شكّل أسلوبي القيادي، ليكون مبنيًا على بناء الجسور، والتعاطف الثقافي، والرؤية بعيدة المدى. وبصفتي مسلمة ومؤمنة، أنا ملتزمة بعمق بفعل الخير وخدمة الآخرين بنزاهة وتواضع، وأحمد الله على نعمه. أمارس القيادة بدافع قوي من المسؤولية تجاه من نخدمهم، وأسعى دائمًا لجعل العلم أقرب للناس الذين يحتاجونه أكثر.

بما أنك قائدة عالمية في مجال العلوم والابتكار ولَكِ جذور مغربية، هل ترين نفسكِ يومًا ما تساهمين بشكل مباشر في المشهد العلمي أو السياسي في المغرب—وربما حتى من خلال دور رسمي كوزيرة؟

المغرب في قلبي أينما ذهبت، وقد كنت دائمًا مؤمنة بضرورة رد الجميل للأماكن التي أنتمي إليها سواء عبر أدوار استشارية، أو الإرشاد، أو الانخراط الرسمي، أنا منفتحة ومُلتزمة بالمساهمة في منظومة العلم والابتكار في المغرب. أؤمن بأن لبلدنا إمكانيات هائلة للريادة في الزراعة الذكية مناخيًا والتنمية المستدامة. وإذا سنحت فرصة لخدمة هذا الهدف من خلال دور رسمي يتماشى مع هذه الرؤية، فسأفكر في الأمر بكل فخر ومسؤولية.

أخيرًا، ما النصيحة التي تودين تقديمها للشباب من العلماء، وخصوصًا النساء، ممن يطمحون لإحداث تغيير فعلي عبر العلم والابتكار؟

لا تدعي أحدًا يحدد سقف قدراتك. كوني جريئة في أسئلتك، لا تتوقفي عن الفضول، وكوني هادفة فيما تسعين إليه. أحِطي نفسكِ بمُرشدين ومناصرين يؤمنون بكِ ويدفعون بك نحو التحديات. والأهم، ابقي مرتبطة بالمجتمعات التي تعملين بها، فالعلم لا يجب أن يبقى في برج عاجي. ونحن كباحثات، لا ننتمي فقط إلى دائرة ضيقة، بل نحمل الرؤى والقيادة التي يحتاجها العالم للتغيير.