اقتصادكم
تحولت أزمة صامتة في منظومة التكوين المهني في المغرب خلال الأسابيع الأخيرة إلى مواجهة معلنة بين مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل (OFPPT) ووزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، وعلى رأس أسباب الخلاف تدبير منح المتدربين.
لكن خلف هذا المشهد، تتبدى أسئلة أعمق تتعلق بفعالية تنسيق السياسات العمومية في قطاع استراتيجي يُعوَّل عليه لرفع قابلية تشغيل الشباب وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني.
وأصدر الـOFPPT، شهر نونبر، بلاغا غير معتاد من حيث حدّة لغته، عبر فيه عن "اندهاشه الكبير" من تصريحات الوزير يونس السكوري، الذي حمل المكتب مسؤولية تأخر صرف المنح للمتدربين، الرد جاء سريعاً من المكتب الذي واجه تصريحات الوزير بأرقام مفصلة: بين 2018 و2022، سُجل فرق كبير بين الاعتمادات التي كان يفترض أن يحوّلها الوزارة وبين ما تم تحويله فعلياً، مما اضطر المكتب إلى استعمال موارده الذاتية لضمان استمرار صرف المنح.
وأضاف المكتب أنه صرف ما مجموعه 968 مليون درهم للمنح بين 2017 و2025، منها 296 مليون درهم (30%) من موارده الخاصة، وكشف أن ميزانية 2025، رغم المصادقة عليها في أبريل، لم يحول منها أي مبلغ لصالح المكتب قبل 7 نونبر، أي بتأخير يصل إلى أربعة أشهر.
هذا التراشق الهادئ في شكله، الحاد في مضمونه، يعيد إلى الواجهة إشكالاً بنيوياً في الإدارة المغربية: تعدد المتدخلين، غياب التنسيق، وتضارب المرجعيات. فالوزارة هي الجهة الوصية، لكن المكتب يتمتع باستقلالية نسبية، وفي غياب انسجام مؤسساتي، تتحول الملفات التقنية إلى صراعات نفوذ، يُدفع ثمنها من المال العام ومن مصالح الشباب.
الأزمة لم تبقَ محصورة في مسألة المنح، بل امتدت لتؤثر على برنامج مدن المهن والكفاءات (CMC)، أحد أهم المشاريع الملكية في مجال تأهيل رأس المال البشري.
وكشف بلاغ الـOFPPT أن البرنامج عرف توقفاً امتد لـ14 شهراً بسبب عدم عقد اللجنة المكلفة بالتتبع ولم يُستأنف العمل إلا بعد تدخل رئاسة الحكومة ووزارة المالية، مما سمح بفتح مدن جديدة في الداخلة–وادي الذهب ومراكش–آسفي وكلميم–واد نون، لولا هذه التدخلات العليا، لكان المشروع، بكل رمزيته وأهدافه، مهدداً بالجمود.
مفارقة مؤلمة: مشاريع استراتيجية… تعرقلها البيروقراطية
قدم المغرب في 2019 "خارطة طريق" طموحة للتكوين المهني، اعتبرت حينها إحدى الركائز الأساسية لمواجهة بطالة الشباب وتلبية حاجيات سوق الشغل، كما أن الملك محمد السادس شدد في خطابه في 20 غشت 2019 على أن:“النهوض بالتكوين المهني ضرورة ملحة ليس فقط لإحداث فرص الشغل، بل لرفع تنافسية الاقتصاد الوطني…”
لكن الواقع الحالي يعطي انطباعاً مؤسفاً بأن هذه الضرورة الملحة تصطدم بإدارة غير فعالة، تستهلك الوقت والموارد في صراعات داخلية بدل التركيز على خدمة الشباب.
أزمة حكامة
التوتر بين الوزارة والـOFPPT ليس حادثاً معزولاً، بل تجل لإشكالية بنيوية تعاني منها الإدارة المغربية مثل ضعف التنسيق بين الوزارات والمؤسسات العمومية، تضارب الصلاحيات، مركزية القرار، وتفضيل المقاربات البيروقراطية على النجاعة.
ما يجري اليوم يطرح سؤالا مؤرقا: كيف يمكن للمغرب أن ينجح في رفع تحديات التشغيل، والابتكار، والتحول الاقتصادي، بينما تتعثر آلة التنسيق الإداري عند ملفات أساسية مثل صرف منح المتدربين أو متابعة مشاريع ملكية؟
عن "Finances news" بتصرف