اقتصادكم
يعتبر المغرب من ضمن أكثر البلدان تعرضا للإجهاد المائي، بفعل التغير المناخي وموجة الجفاف التي تضرب البلاد، في سياق عالمي غير مطمئن يتسم بندرة المياه وسط تحذيرات من تفاقم "أزمة العطش" خلال العقود المقبلة.
ولم يعد مخزون السدود والأحواض في المملكة يتجاوز 27% من مجموع طاقتها الاستيعابية، وهو أمر مثير للقلق، علما أن موجة الجفاف الحالية التي تجتازها البلاد تعد الأسوأ منذ حوالي 40 سنة.
أزمة جفاف بنيوية
اعتبر البنك الدولي في تقرير له أن المغرب يواجه أزمة جفاف بنيوية، بعد تسجيل ثلاث سنوات من الجفاف خلال آخر أربع سنوات، وعدم الانتظام المتزايد في معدلات تساقط الأمطار وصعوبة مواجهته.
وسجل البنك الدولي أن المغرب يصنف في خانة الدول التي تعاني من "إجهاد مائي هيكلي"، بعد انخفاض توفر الموارد المائية المتجددة من 2560 متر مكعب إلى نحو 620 متر مكعب فقط، بل إن المملكة اقتربت من الدخول في خانة "عتبة النقص المطلق في المياه"، التي تبلغ أقل من 500 متر مكعب لكل فرد سنويا.
وحذر التقرير من إمكانية تحول الجفاف ليصير أحد التحديات الهيكلية للمغرب بسبب ارتفاع التواتر في مواسم الأمطار الضعيفة، مما سيكون له تأثير طويل الأمد على الاقتصاد المغربي.
وعلى الرغم من بناء المغرب لأكثر من 120 سدا، والمساهمة بالتالي في زيادة إجمالي سعة تخزين المياه بـ 10 أضعاف، إلا أن البنك الدولي أشار إلى أن الحجم الفعلي للمياه المخزنة في السدود الرئيسية في المملكة انخفض خلال آخر 10 سنوات، ما يفسر أن سياسة تشييد السدود والاعتماد عليها بشكل كلي لم تعد ذات جدوى كما في السابق.
وانعكس الجفاف على القطاع الفلاحي، حيث أدى إلى تراجع محصول الحبوب إلى 34 مليون قنطار فقط، ما يمثل انخفاضا بـ67 % مقارنة مع السنة الماضية، علما أن الفلاحة لوحدها تستنزف أكثر من 80 % من الموارد المائية للمغرب، وهو ما جعل التساؤلات تطرح بإلحاح حول السياسة الفلاحية للمملكة والاستمرار في زرع وإنتاج الأغراس الأكثر استهلاكا للمياه، على غرار البطيخ والأفوكادو.
وقدم البنك الدولي مجموعة من التوصيات، أهمها عدم الاكتفاء بتطوير البنية التحتية لمواجهة ندرة المياه، ودعمها باعتماد سياسات إدارة وتدبير الطلب على المياه التي تحفز الموارد المائية المستدامة والفعالة والعادلة، بالإضافة إلى فرض إصلاحات مستعجلة كتسعير الموارد المائية الأقل نقصا بقيمتها الحقيقية، ودمج الحلول الهندسية مع سياسات إدارة الطلب على المياه الفعالة.
من جهته، قال عبد الرحيم الهندوف، رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين والخبير في السياسات المائية، لـ "اقتصادكم"، إن المغرب يواجه مشكل التوزيع الجغرافي للموارد المائية والتساقطات المطرية المتفاوتة وغير المنتظمة وعدم ضبط الحاجيات المائية للزراعات في المغرب، حسب خصائص كل منطقة.
وبخصوص المزروعات التي تستنزف كميات كبيرة من المياه، أكد الهندوف أن معظم المغاربة لديهم تصور خاطئ بخصوص إنهاك البطيخ والأفوكادو مثلا للموارد المائية، مضيفا أن الذرة تستنزف كميات أكبر من المياه، إلى جانب زراعة نخيل التمر التي تتم بعيدا عن الواحات، وبالتالي تستهلك كميات جد مهمة من الماء.
حقينة السدود في تراجع
تواصل نسب ملء السدود والأحواض المغربية تراجعها بشكل مخيف، إذ بلغت 26.07% إلى غاية يوم السبت الماضي، علما أنه في نفس الفترة من السنة الماضية، وصلت النسبة إلى 40.8%.
وحسب معطيات وزارة التجهيز والماء، فإن حقينة ملء السدود المغربية سجلت عجزا مهما قدره 2382 مليون متر مكعب، إذ يبلغ الحجم الإجمالي لحقينة السدود في الوقت الراهن 4202 مليون متر مكعب، مقابل 6585 مليون متر مكعب في نفس الفترة من السنة الماضية.
ووصلت نسبة ملء حوض اللوكوس إلى 41.51%، فيما بلغت حقينة حوض ملوية 8.58%، أما نسبة ملء حوض سبو فوصلت إلى 42.49%، مقابل29.09% لحوض أبي رقراق، أما حوض أم الربيع فوصلت نسبة الملء فيه إلى 7.04%، وحوض تانسيفت وصل إلى 42.94% وحوض سوس ماسة 13.67%، بينما بلغت نسبة ملء حوض درعة واد نون 18.31%، وحوض زيز كير غريس سجل نسبة ملء قدرها 20.16%.
ويقل الحجم الحالي للأحواض والسدود بشكل كبير عن الحجم العادي، فبالنسبة إلى حوض اللوكوس مثلا، يبلغ حجمه حاليا 714.58 مليون متر مكعب، في حين أن الحجم الطبيعي هو 1721 مليون متر مكعب، أما الحجم الحالي لحوض ملوية فلا يتجاوز 68.44 مليون متر مكعب، فيما يبلغ الحجم العادي 797.35 مليون متر مكعب.
وتبلغ نسبة ملء سد الوحدة، الذي يعتبر الأكبر في المملكة، 45.1% فقط، مقابل 66.6% في غشت 2021، إذ تبلغ حقينة السد 1589 مليون متر مكعب، بينما كانت تبلغ العام الماضي 2345 مليون متر مكعب.
وانخفض منسوب السدود الخمسة الموجودة بجهة درعة تافيلالت، ليصل إلى 241.2 مليون متر مكعب، مقابل 366.4 مليون متر مكعب في يوليوز 2021، أي بنسبة انخفاض بلغت 125.2 مليون متر مكعب.
ووصلت نسبة الملء بسد الحسن الداخل بالراشيدية إلى 63.7 مليون متر مكعب، وبسد المنصور الذهبي بإقليم ورزازات إلى 57.3 مليون متر مكعب، بينما بلغت 79.5 مليون متر مكعب بسد السلطان مولاي علي الشريف بالإقليم ذاته، أما سد الحسن الثاني بميدلت فبلغت فيه نسبة الملء 36.6 مليون متر مكعب، مقابل 4.1 ملايين متر مكعب بسد تمالوت بإقليم ميدلت أيضا.
وتصل حقينة السدود الخمسة الكبرى بجهة درعة تافيلالت 1481.1 مليون متر مكعب، أي حوالي مليار و481 مليون متر مكعب، فيما بلغت حقينتها الحالية فقط 241.2 مليون متر مكعب، أي بنسبة انخفاض بلغت مليارا و239.2 مليون متر مكعب. أما سد المسيرة الذي يعتبر المزود الرئيسي لمراكش ونواحيها بالماء، فتراجعت حقينته إلى أقل من 128 مليون متر مكعب من أصل 2657 مليون متر مكعب، التي تمثل طاقته الاستيعابية الإجمالية.
وسجل سد سيدي محمد بن عبد الله الذي يزود الرباط وسلا والنواحي بالماء الصالح للشرب تراجعا مهولا في نسبة الملء، إذ مر من 56.3% السنة الماضية إلى 29.6% هذه السنة، كما تراجعت نسبة ملء سد بين الويدان بإقليم أزيلال من 22.8% إلى 9.5%، والأمر نفسه بالنسبة إلى سد مولاي يوسف الذي انتقل من 38.4% إلى 13.8%.
وشدد الخبير في السياسات المائية، عبد الرحيم الهندوف، على أن إشكال توزيع الموارد المائية كان ينبغي معالجته في السنوات الماضية وفق استراتيجية استباقية، مبرزا أن التوزيع الجغرافي غير متكافئ، وأن مدينة كبيرة مثل الدار البيضاء مثلا، تُزود بالماء الصالح للشرب من خلال سد المسيرة الذي يوجد قرب قلعة السراغنة، وأن أكثر من نصف هذه الكميات المائية تضيع في طريقها إلى الدار البيضاء، وأن المنطقي والطبيعي هو ألا تتجاوز نسبة تسرب شبكة المياه 5%، وليس 50% أو أكثر.
وفي نفس الإطار، كشف الهندوف أن سد محمد الخامس القريب من مدينة وجدة والذي يمر عبر نهر ملوية، فارغ تقريبا، وأن مدن الجهة الشرقية تزود من حوض اللوكوس بإقليم العرائش، مشيرا إلى أن حاجيات المغرب من الماء الشروب ليست كثيرة عموما، مقارنة ببلدان أخرى، وأن المشكل الحقيقي هو التوزيع السيء للثروة المائية على المستوى الجغرافي.