اقتصادكم - سعد مفكير
في قلب التحول الرقمي الذي يعيشه المغرب، وتحت أضواء معرض "جيتكس أفريقيا" الذي بات منصة قارية للتكنولوجيا والابتكار، يبرز اسم كريم عمور، رئيس الجهة 13 التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، كأحد الأصوات الفاعلة التي تسلط الضوء على الجالية المغربية من المقاولين والكفاءات حول العالم. هذه الجهة، التي تمثل الجسر بين الداخل والخارج، لم تعد تكتفي بدور تمثيلي بل تحولت إلى فاعل استراتيجي يسعى لربط الكفاءات المغربية أينما كانت برؤية تنموية شاملة.
في حوار صريح ومفتوح مع موقع "اقتصادكم"، يتناول الخبير كريم عمور ملامح المرحلة الرقمية التي يمر بها المغرب، ويضع النقاط على الحروف بشأن التحديات والفرص المرتبطة بالأمن السيبراني، ومكانة الذكاء الاصطناعي في الأجندة الاقتصادية للمملكة. من موقعه كفاعل اقتصادي وممثل لشبكة دولية من الخبرات المغربية، يرى عمور أن الرأسمال البشري المغربي المنتشر عبر القارات يمكن أن يكون مفتاحاً لنهضة رقمية حقيقية.
من الأمن السيبراني كأولوية وطنية، إلى التحول الرقمي كمحرك للاستثمار، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي كقوة تغيير قادمة، يفتح لنا كريم عمور نافذة على رؤية استراتيجية تتجاوز اللحظة الراهنة نحو بناء مغرب رقمي وآمن، متصل بأبنائه أينما كانوا، ومستعد لخوض تحديات الاقتصاد العالمي الجديد. الحوار:
كيف تقيّمون مسار التحول الرقمي في المغرب؟
من حيث الكفاءات والمواهب، نحن على المسار الصحيح. المغرب يزخر بطاقات بشرية بمستوى عالمي، بل إننا نملك كفاءات تتفوق على نظيراتها في العديد من الدول المتقدمة، خصوصاً على صعيد الإنتاجية. هذا ما يدفعنا إلى الفخر بأبنائنا داخل المغرب وخارجه. لنأخذ مثال قطاع صناعة السيارات: بإمكاننا اليوم تصميم وصناعة سيارة مغربية 100%، تشمل التصميم، التصنيع، وحتى تكنولوجيا الطاقة.
إضافة إلى ذلك، نملك رؤية استراتيجية واضحة تمتد إلى أفق 2030، وهي مستلهمة من الرؤية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. نمتلك الإرادة والقدرة على تفعيل هذه الرؤية بما يخدم المغرب والقارة الإفريقية على أفضل وجه.
ما الذي نفتقده لتسريع هذا التحول؟
ما نفتقر إليه حالياً هو تطوير البنية التحتية الرقمية، خصوصاً في ما يتعلق بهندسة الذكاء الاصطناعي. ورغم أننا يمكننا تقاسمها مع فاعلين آخرين أو hyperscaler (شركات الحوسبة الضخمة التي تقوم ببناء بنية تحتية ضخمة للأجهزة والبرامج لدعم أعداد كبيرة من المستخدمين النهائيين)، إلا أن السيادة الرقمية تظل ضرورية. لا يمكن أن يبقى المهندس المغربي معتمداً على خدمات الحوسبة السحابية القادمة من الخارج. نحتاج إلى توفير هذه الخدمات محلياً، بأسعار تنافسية تُحاكي المعدلات الدولية، لأن السيادة الرقمية تبدأ من التحكم في المعطيات والموارد التقنية محلياً.
الأمن السيبراني من أبرز التحديات… كيف يمكن التعامل معه؟
هي مسألة رؤية، فمثلا نجحنا في تطوير أداة ما بعد الكمومية "outil post quantique" وهي أداة مقاومة للهجمات الكمومية وعبارة عن مجموعة من خوارزميات التشفير الكلاسيكية تتضمن إنشاء المفاتيح والتوقيعات الرقمية وتوفير الأمن المفترض ضد التهديدات الكمومية "menace quantique"، التي تصدر عن كمبيوتر كمومي "Ordinateur quantique" الذي سيتم تعميمه انطلاقا من سنة 2026، ويعتبر الكمبيوتر الكمومي القائم على البوابة جهاز يأخذ بيانات الإدخال ويحولها وفقًا للعملية المركزية المحددة مسبقًا. وعادةً ما تُمثل هذه العملية بدائرة كمومية وتكون متناظرة لعمليات البوابة في الأجهزة الإلكترونية التقليدية. ولكن، تُعد البوابات الكمومية مختلفة تمامًا عن البوابات الإلكترونية، كما أنه أسرع آلاف المرات من أي نظام حسابي، لا يمكن استيعابه. وبالتالي نحن نجتهد ونعمل على مواكبة هذا التطور، من أجل ضمان الأمن السيبراني والسيادة الكمومية "souveraineté quantique"، لكن هذا العمل يحتاج الكثير من الوقت.
وماذا عن إدماج الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم؟
يتعلق الأمر أيضاً برؤية وتخطيط طويل الأمد. الذكاء الاصطناعي هو مجرد أداة، وطريقة توظيفه هي التي تصنع الفرق. يجب أن يصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً طبيعياً من البيئة التعليمية، حتى يتأقلم التلاميذ والطلبة مع استخدامه بشكل يومي. هذه التكنولوجيا يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتطوير القدرات الذهنية، والتفكير المنطقي، ومهارات التحليل لدى المتعلمين.
هل يمكننا التحكم في تسارع الذكاء الاصطناعي؟
سؤال جوهري. الواقع أن التحكم في هذا التطور المتسارع أصبح تحدياً كبيراً. ما كنا نطوره خلال 20 سنة أصبحنا ننجزه في شهر واحد فقط. نحن اليوم في مرحلة نُغيّر فيها كل النماذج بسرعة هائلة، مما يضعنا أمام حقيقة صادمة: يمكن تحقيق ما كان يعتبر حلمًا في ثوانٍ معدودة.
في كتابي الأخير "Renaissance Now" تحدثت عن هذه المعضلة. هناك أنواع من الذكاء الاصطناعي ذاتية التوليد، لا نتحدث عنها كثيراً، لكنها قادرة على إعادة إنتاج نفسها والانتشار تلقائياً عبر الشبكات. إن لم نُحسن ضبط هذا النوع من التكنولوجيا، فسيكون من الصعب مستقبلاً السيطرة عليه، وهو ما يمثل الخطر الأكبر من وجهة نظري.
المسؤولية الأخلاقية تقع هنا على عاتق المطورين والمهندسين، فهم من يتحكمون في توجيه هذه الأدوات. كما أن الصراع التكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة يضيف تعقيدات أخرى، حيث تتدخل الصين لتنظيم هذا التطور، بينما يبدو أن النموذج الأمريكي يتجه نحو "انفجار تكنولوجي" غير مقنن.
ما هي مشاريع وبرامج الاتحاد العام لمقاولات المغرب في أفق 2030؟
الاتحاد يتوفر على لجنة خاصة بالتطوير والابتكار، إلى جانب الجهة 13 التي أترأسها، والتي تعنى بالمقاولين المغاربة والكفاءات العليا المقيمة بالخارج. نعمل يداً بيد مع الرئيس شكيب لعلج ونائبه مهدي التازي من أجل تعبئة هذه الطاقات المغربية ذات الرؤية المتقدمة. طموحنا هو وضع هذه الكفاءات في صلب المشروع التنموي الرقمي للمملكة، وتسخير خبراتها لدعم التقنيات الحديثة، وتحقيق الاستفادة القصوى منها لصالح الاقتصاد المغربي.