اقتصادكم – مهدي حبشي
سجل سعر العملة الرقمية "بيتكوين"، الخميس 6 يناير 2022، أدنى مستوياته منذ عدة شهور، إذ باتت تلك العملة تساوي أقل من 43 ألف دولار.
وفاقت نسبة الهبوط 1.5 في المئة، يرجع ذلك إلى نهج البنك الفدرالي الأميركي سياسة مالية أكثر تشددا، ما قلص إقبال المستثمرين على الأصول التي تنطوي على مخاطر كبيرة، وفي مقدمتها العملات الرقمية.
"بيتكوين" التي سجلت ذروتها القياسية في شهر نونبر 2021، حين بلغت قيمتها 69 ألف دولار أمريكي، هي عملة رقمية ظهرت عام 2009على يد شخص، أو عدة أشخاص مجهولي الهوية، عرفوا تحت مسمى Satoshi Nakamoto، ومازالت هويته(م) مجهولة إلى اليوم رغم كل المحاولات للكشف عنها.
بين "بيتكوين" و"بلوكتشين"
يستند تطوير وتسيير عملة رقمية من صنف "بيتكوين" إلى نظام (بلوكتشين)، وهي تكنولوجيا تتيح تخزين ونقل معلومات دون المرور بنظام للمراقبة. وتنقسم التسمية إلى كلمتين block التي تعني كتلة، و chaîne أي السلسلة. وذلك في إشارة لسلسلة الكتل التي تنتظم فيها المعلومات في نظام "بلوكتشين".
وبتعريف أدق، فإن الأمر يتعلق بقاعدة بيانات موزعة بين المستخدمين عبر روابط داخلية، ومحمية بنظام تشفير، يفسر تسمية Cryptocurrency (العملة المشفرة).
ووفقاً للموقع الرسمي لشركة IBM، فإن Blockchain هو دفتر رقمي مشترك وغير قابل للتغيير، يُسهل تسجيل المعاملات وتتبع الأصول في شبكة الأعمال. وقد يكون الأصل ملموسا على شكل منزل أو سيارة أو نقد أو أرض... أو غير ملموس مثل: حقوق الملكية الفكرية، براءات الاختراع، حقوق النشر، العلامات التجارية... وعمليا، يمكن تتبع أي شيء ذي قيمة وتداوله عبر شبكة blockchain، مما يقلل المخاطر والتكاليف لجميع المعنيين.
عقد الازدياد
شهدت سنة 2009 ميلاد العملة الرقمية "بيتكوين" على نحو يلفه الكثير من الغموض، فلم تغرِ العملة الكثيرين بالاستثمار فيها آنذاك. وحتى الحكومات وصناع القرار المالي في العالم اكتفوا بتجاهلها.
في ذلك الوقت، كانت 10 آلاف بيتكوين بالكاد تكفي لشراء قطعة بيتزا، إذ لم تكن قيمتها تتعدى 0.003 دولار. لكن، إذا كنت قد بعت قطعة بيتزا بـ10 آلاف "بيتكوين" قبل 12 عاماً واحتفظت بالمبلغ، فلعلك اليوم من الأثرياء. إذ وصل سعر 10 آلاف بيتكوين في أواخر 2021، إلى 640 مليون دولار!
كيف حدث ذلك؟
يفسر موقع cryptonews المتخصص في العملات الرقمية ارتفاع قيمة بيتكوين ببساطة: السبب نفسه في قيمة الدولار أو أي عملة ورقية. استخدام الناس لها لشراء وبيع السلع والخدمات.
وإذا كان الدولار يحظى بدعم الحكومة الأمريكية، التي تمنحه صفة قانونية وتوظفه لجمع الضرائب، فإن قيمة "بيتكوين" تتأتى من شفرته المعلوماتية المحصنة.
وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يثقون في "بيتكوين" ويستخدمونه لشراء سلع وخدمات، وللحفاظ على ممتلكاتهم أو حتى للمضاربة في البورصة... ارتفعت قيمة العملة وزاد سعرها مقابل العملات الورقية كالدولار واليورو والدرهم...
وباختصار، يخضع "بيتكوين" لقانون العرض والطلب، أي إن قيمته تعبر بالضرورة عن عدد الأشخاص الراغبين في تداوله. والسبب في تقلبات سعره الكثيرة، هو حداثة عهده وقيمته المنخفضة في البورصة.
مشككون متشائمون
لم يُلطف نورييل روبيني، الاقتصادي الشهير بجامعة نيويورك، لهجته وهو يتحدث عن بيتكوين ويصفها "بالعملة النجسة".
من جهته، علق محافظ البنك المركزي لإنجلترا، أندرو بايلي متهكما: "أنصحكم بشرائها إذا كنتم تريدون خسارة أموالكم".
ولا يقف المشككون في العملات الرقمية عند هذا الحد؛ فالحائزون على جائزة نوبل للاقتصاد؛ جوزف ستيغلتز، بول كروغمان وروبيرت شيلر... يحذرون من أن موجة العملات الرقمية هذه سحابة صيف عابرة، ستختفي فجأة ودون سابق إنذار، مكبدة الواثقين فيها خسائر فادحة.
ويرى هؤلاء الخبراء أن عيب "بيتكوين" في كونه لا يخضع لرقابة أو تدبير أي حكومة ولا بنك مركزي ولا حتى شركة.
ولم يكتفِ بيتكوين بالتحرر من كل القيود المالية الجاري بها العمل على صعيد العملات، بل ساهم في "تحرير" عملات تحتاج الحكومات إلى مراقبتها وضبطها تفادياً لجرائم المال. فبيتكوين في النهاية يُشترى ويباع بالعملات الكلاسيكية.
متفائلون بلا حدود
في الصف المقابل ينتصب عدد من المتفائلين؛ خبراء مقتنعون بأن وقف نمو العملات الرقمية قد خرج عن متناول اليد. وينظرون إليها بوصفها ثورة في النظام المالي العالمي، وفرصة استثمارية مربحة على المدى البعيد.
خافيير باستور، المدير التجاري لمنصة تبادل العملات الرقمية Bit2Me، اعتبر أن العملات الرقمية ستغير العالم، تماما كما غيرته شبكة الإنترنت. ويضيف دون وهلة شك: "نحن نشهد خطوة جديدة في سيرورة تطور مفهوم المال".
ويردف: "في السنوات المقبلة، ستفقد الأموال التي تطبعها البنوك المركزية قيمتها شيئاً فشئياً، إنها تلفظ أنفاسها الأخيرة الآن أمام التطور التكنولوجي المتمثل في العملات المشفرة".
ويعد جاك دورسي، المدير العام لتويتر أحد أنصار بيتكوين الكبار، فهو يذهب إلى أن "العملة الوحيدة التي ستبقى في العالم بعد 10 سنوات فقط... هي بيتكوين".
أما رئيس جمهورية السلفادور، نجيب بوكيلي، فقد توقع أن يكون عام 2022 عام بيتكوين بامتياز. إذ نشر على صفحته في تويتر توقعاته لوصول سعرها إلى 100 ألف دولار. ما سيدفع دولتين لتبنيها عملة رسمية على حد قوله.
ويعتقد الزعيم السلفادوري أن "البيتكوين" ستفرض نفسها عما قريب قضية انتخابية في الانتخابات الأمريكية. مبشراً في الوقت نفسه ببناء مدينة "بيتكوين" في السلفادور.