اقتصادكم
لم تتأخر الحكومة في التعامل مع أزمة نقص اللحوم الحمراء في الأسواق، على غرار غيرها من الأزمات، مثل الحليب، لتعلن عن سلسة من القرارات عبر مراسيم ودوريات متوالية، همت إعفاء واردات الأبقار الموجهة إلى الدبح والأعلاف الخاصة بالمواشي والدواجن من الرسوم الجمركية عند الاستيراد حتى نهاية السنة الجارية، في خطوة لمعالجة المشكل بواسطة أعفاءات جبائية، في ظل الضغط الحالي على الميزانية العمومية، لظروف الجفاف والتضخم.
إلى هنا، أبانت الحكومة عن قدرة متميزة على التفاعل مع الأزمات ومعالجتها بشكل سريع، رغم تعددها في ظل الظرفية الاقتصادية الحالية، إلا أنها سقطت هذه المرة في فخ المزايدة السياسية، بعدما أن فشلت هذه الإجراءات، المسماة "دعما"، في حل أزمة اللحوم الحمراء، إذ لم تخلف أي أثر على السعر النهائي لبيع اللحوم، الذي وصل اليوم إلى 80 درهم للكيلوغرام، بالنسبة إلى اللحم البقري الأكثر استهلاكا، وتجاوزه في بعض المناطق.
الأمر ببساطة، أن الحكومة أقرت إعفاء جبائيا "غير مدروس"، ولم يساهم في حل أزمة اللحوم الحمراء، التي تواصل أسعارها الارتفاع يوميا، بما يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين، اللذين يترقبون حلول شهر رمضان بحذر وترقب من زيادات جديدة. ومرد عدم جدوى الإعفاء المذكور، يكمن في أن المستوردين فشلوا في استيراد الأبقار المطلوبة، بسبب نقص القطيع في الدول المصدرة، مثل إسبانيا والبرتغال والأرجنتين، وتعلل أخرى بارتفاع حالات جنون البقر، مثل ألمانيا، فيما عرضت دولا أخرى أسعار بيع تتجاوز تكاليف الإنتاج المحلية.
هذا المعطى يطرح التساؤل، حول الغايات من إقرار إعفاء جبائي بهدف توفير الدعم لقطاع اللحوم الحمراء، حرم الدولة من مداخيل ضريبية مهمة، ولم يحقق الأهداف المرجوة منه، ليظل الجواب المباشر مرتبطا بالمزايدة السياسية، طالما أن قرار الإعفاء أعد دون دراسة لوضعية القطيع في الدول المصدرة، وحتى للأسعار بالأسواق الأجنبية، التي تواصل ارتفاعها هي الأخرى، بعلاقة مع تطور أسعار الأعلاف ومكوناتها من المواد الأولية.
مهني في اتصال مع "اقتصادكم"، لم يخفي استغرابه من قرارات الحكومة لدعم اللحوم الحمراء ومحاولة إيجاد حل لنقها في الأسواق، موضحا أنه على مدى 20 سنة من عمله في القطاع، لم يعاصر هذا التطور في الاسعارن ذلك أن سعر كيلوغرام البقري الحي يتراوح بالجملة بين 77 درهما و85، والغنمي بين 74 درهما و74.5، وكذلك الأمر بالنسبة إلى منتوجات أخرىن، مثل الكبد، التي قفز سعر الكيلوغرام فيها من 120 درهما إلى 170، ما يندر بزيادات مرتقبة خلال الفترة المقبلة، مع تزايد الطلب واستمرار العرض في التراجع.
تدبير أزمة اللحوم الحمراء ما هو إلا شجرة أخفت غابة من قرارات الحكومة "التجميلية"، التي تستهدف تحقيق مكاسب سياسية على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، الرازحة اليوم تحت ضغط غير مسبوق، مع ارتفاع معدل التضخم إلى 6.6 % بنهاية السنة الماضية، وفق أرقام المندوبية السامية للتخطيط، وارتفاع أسعار المواد الغذائية المختلفة، وغلاء المحروقات وغيرها من السع المستوردة.