اقتصادكم- حنان الزيتوني
في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها الاقتصاد العالمي، لم تعد الشراكات التجارية رهينة للروابط التقليدية، بل أضحت تتشكل وفق منطق تنويع الشركاء، وإعادة التموقع الاستراتيجي، واستكشاف أسواق جديدة تعزز من حضور الفاعلين الدوليين في فضاءات غير مألوفة. وفي هذا الإطار، يبدو أن الرباط تعيد النظر في خارطة شركائها الاقتصاديين، متطلعة إلى آفاق تعاون بديلة تتجاوز الإطار الأوروبي الكلاسيكي.
ففي الوقت الذي تعرف فيه المبادلات مع بعض الشركاء الأوروبيين نوعا من التباطؤ، تشير المعطيات الرسمية إلى تنام ملحوظ في حجم التبادل التجاري بين المغرب وروسيا. فقد سجلت صادرات النحاس الروسي إلى المغرب ارتفاعا بنسبة 85% خلال السنة الماضية، في حين زادت واردات المملكة من الحبوب الروسية بنسبة 34%، تزامنا مع اضطرابات الأسواق العالمية. كما بلغت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين حوالي 3.1 مليار دولار سنة 2024، أي بزيادة تقارب 20% مقارنة مع السنة التي سبقتها، وهو ما يعكس دينامية جديدة في العلاقات الاقتصادية الثنائية.
فهل تعد موسكو اليوم من بين الوجهات الواعدة ضمن هذا التوجه الجديد؟ وما الذي تكشفه المؤشرات الاقتصادية الأخيرة بشأن طبيعة التحول في العلاقات التجارية بين المغرب وروسيا؟
العلاقات المغربية الروسية
وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي والاقتصادي لحسن أقرطيط أن العلاقات المغربية الروسية مرشحة لتحقيق "طفرة نوعية"، إذا ما تم تثمين المؤشرات الحالية والاستثمار فيها بشكل استراتيجي.
وأوضح أقرطيط، في اتصال مع موقع "اقتصادكم"، أن "روسيا ليست بعد شريكا تجاريا استراتيجيا كبيرا، لكنها تبعث بإشارات قوية تؤكد استعدادها للعب هذا الدور، من خلال تجديد اتفاقية الشراكة الزراعية مع المغرب، بما يشمل الأقاليم الجنوبية، وهو ما يعكس موقفا براغماتيا وواقعيا من قضية الصحراء المغربية".
موقف إيجابي
وبخصوص العلاقات السياسية والرمزية المرتبطة بالتبادل التجاري، أكد أقرطيط أن "تجديد موسكو لاتفاق الصيد البحري للمرة الثامنة أو التاسعة مع المغرب، يشمل تراب المملكة كاملا، بما في ذلك أقاليمه الجنوبية، وهو مؤشر إيجابي جدا مقارنة بمواقف بعض الدول الأوروبية التي تميل إلى التذبذب حسب الظرفية".
وأفاد المتحدث في الاتصال ذاته، أن "الجانب الروسي عبر أيضا عن اهتمامه المتزايد بالتعاون مع المغرب في مجالات حساسة واستراتيجية، كتحلية مياه البحر، والبنية التحتية البحرية، ما يعكس تحركا روسيا نحو شراكة متعددة الأبعاد".
فرص وتقاطعات
أقرطيط شدد كذلك على أن "الأمن الغذائي العالمي، الذي تعتمد عليه العديد من الدول، يجعل من روسيا فاعلا مركزيا في هذا المجال، وهو ما يفتح الباب أمام المغرب لتعزيز علاقاته التجارية معها بشكل يخدم استراتيجيته الوطنية في ضمان الأمن الغذائي وتنويع مصادره".
وعلى المستوى السيادي والأمني، قال إن "روسيا أبدت اهتماما ملحوظا بالتعاون الأمني، خصوصا فيما يتعلق بحماية الأمن السيبراني، ما يؤشر على تطور نوعي في مستوى الثقة بين الطرفين".
تقارب في الرؤى
وتابع أقرطيط قائلا: "حتى على مستوى القضايا الدولية، هناك تقاطعات واضحة بين الموقف الروسي والمغربي، خصوصا فيما يتعلق بالشأن الإفريقي، ما يعكس فهما مشتركا للرهانات الجيوسياسية في المنطقة".
وأكد المحلل أن "استراتيجية المملكة المغربية الرامية إلى تنويع الشركاء التجاريين ليست فقط خيارا اقتصاديا، بل توجه سياسي ينسجم مع رغبة الرباط في تثبيت موقعها ضمن الاقتصاديات الناشئة متعددة الارتباطات، وهو ما يجعل من روسيا فاعلا مرشحا ليكون ضمن هذا التحول".