اقتصادكم-حنان الزيتوني
في ظل الحديث المتكرر حول الرقمنة بالمغرب والمواكبة المستمرة من قبل المؤسسات العمومية والخاصة في مختلف القطاعات، بلغ المغرب خلال السنوات الأخيرة تقدما ملحوظا في إدماج التكنولوجيا الرقمية في الإدارة والخدمات، حيث تم تنفيذ مشاريع لإصدار الوثائق الإدارية إلكترونيا، تسجيل الشركات، تجديد الرخص، وتطوير منصات رقمية لتسهيل التفاعل بين الإدارة والمواطن.
إلا أن السؤال المركزي يبقى قائما: هل المواطن المغربي راض عن هذه الرقمنة؟ وهل ساهمت بالفعل في تبسيط المساطر وتقليص زمن الانتظار؟.
الرقمنة في الإدارات العمومية
وهذا السياق يرى بدر الزاهر الأزرق، خبير في قانون الأعمال والاقتصاد، أن الرقمنة حققت تقدما كبيرا في بعض القطاعات، مثل البنوك والخدمات الخاصة، لكنها ما تزال تواجه صعوبات داخل الإدارة العمومية نفسها.
وتابع الزاهر الأزرق في اتصال مع موقع "اقتصادكم": "أعتقد أن تبسيط المساطر للمواطنين عبر الرقمنة يواجه بعض مناطق الصراع، إذ هناك تجارب خارج الإدارة العمومية، مثل البنوك والمرافق الخاصة، حيث تم تبسيط بعض الإجراءات كاستخراج عقد الزواج أو تجديد الرخص، ولاحظنا سرعة ملموسة في هذه العمليات، إلا أن الإدارة العمومية نفسها لا تزال تواجه عقبات تحد من تسريع الإجراءات".
وأورد الخبير موضحا أن الرقمنة حققت مكاسب ملموسة في بعض القطاعات، إلا أن التحديات الجوهرية تكمن في الإدارة العمومية، حيث ما زالت الإجراءات الورقية والمسطرة المعقدة تشكل حاجزا أمام تحقيق الرقمنة الفعلية.
تحديات الحكومة الرقمية
وأضاف الزاهر الأزرق أن: "كل ما يسمى بالحكومة الرقمية، للأسف، لا يزال بعيد المنال، ما زلنا نجد الإدارة الورقية وتعقيد المساطر، رغم وجود قوانين لتبسيط الإجراءات، فالمغرب فعلا حقق قفزة كبيرة على مستوى تخزين البيانات الضخمة وتغطية الإنترنت، كما استفاد القطاع الخاص من الرقمنة، لكن الإدارة العمومية لا تزال تواجه صعوبات."
ويشير هذا إلى فجوة بين الإمكانات الرقمية المتاحة والتطبيق العملي داخل الإدارة، مما يستهلك وقت المواطنين ويؤخر الاستفادة من الخدمات الرقمية، ويؤثر في جودة الخدمات المقدمة.
الرقمنة ودعم الاستثمار
وفي جانب آخر، أكد الخبير أن الرقمنة ليست مجرد أداة لتحسين الخدمات، بل لها دور كبير في تعزيز جاذبية الاستثمار قائلا: "اليوم، الرقمنة تساعد على خلق الشركات بسرعة، وتسهيل الإجراءات للمستثمرين، وهذا يعزز الأداء الحكومي وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين ويزيد من جاذبية المغرب على المستوى الاستثماري."
وبهذا، يتضح أن الرقمنة مرتبطة بشكل وثيق بتحسين بيئة الأعمال، لكن نجاحها النهائي يعتمد على قدرة الإدارة العمومية على مواكبة التطور الرقمي وتبسيط المساطر بشكل فعلي، يقول الخبير.
وأضاف المتحدث نفسه في جوابه على سؤال هل المواطن المغربي راض عن هذه الرقمنة؟، أنه "يمكن القول إن المواطن المغربي يستفيد جزئيا من الرقمنة، خصوصا في القطاع الخاص والخدمات الموجهة للأعمال، بينما تبقى الإدارة العمومية العقبة الأكبر أمام تحقيق تجربة رقمية متكاملة".
وأبرز بدر الزاهر الأزرق، أن تطوير الحكومة الرقمية يحتاج إلى تبسيط المساطر، رقمنة كافة الإجراءات، وتعزيز تكامل البيانات بين الإدارات، لضمان رضا المواطن وتحقيق الاستفادة القصوى من التحولات الرقمية.
واستطرد قائلا: "الرقمنة ليست مجرد تقنية، بل استراتيجية لإعادة هندسة العلاقة بين الإدارة والمواطن، وتحسين أداء الاقتصاد الوطني، وتسهيل الاستثمار، فالمغرب حقق خطوات مهمة، لكن الطريق ما زال طويلا لتحقيق "إدارة بلا ورق ومساطر سلسة" كما يتطلع إليها المواطنون والمستثمرون على حد سواء".