تحلية المياه والهيدروجين الأخضر.. أي نموذج تمويل دون فخ المديونية؟

الاقتصاد الوطني - 22-12-2025

تحلية المياه والهيدروجين الأخضر.. أي نموذج تمويل دون فخ المديونية؟

اقتصادكم


في سياق تسارع الأوراش الكبرى بالمغرب، من تحلية المياه إلى الطاقة والهيدروجين الأخضر، عاد النقاش بقوة حول نماذج التمويل القادرة على ضمان استدامة هذه المشاريع الاستراتيجية دون إثقال كاهل الموازنة العامة أو رفع مخاطر المديونية على المدى المتوسط والبعيد.

وفي هذا السياق حذر علاء الدين سعفان، الخبير الاقتصادي والاستراتيجي المصري واستشاري تخطيط وتطوير وتمويل المشاريع الحكومية والخاصة والأوقاف الاستثمارية، في حوار خص به موقع "اقتصادكم"، من تحميل الخزينة أعباء مشاريع وصفها بـ“الترف الاستثماري”، داعيا إلى اعتماد شراكات ذكية مع القطاع الخاص والمستثمر الأجنبي، وتركيز التمويل العمومي على التعليم والصحة ومحاربة الفقر وخلق فرص الشغل.

وفي ما يلي نص الحوار كاملاً:


مع الانطلاق في مشاريع ضخمة مثل محطات تحلية المياه في الدار البيضاء وأكادير، ومشاريع الطاقة والهيدروجين الأخضر، ما نموذج التمويل الأنسب اليوم (قرض سيادي، شراكة عامة-خاصة PPP، استثمار أجنبي مباشر) لضمان استدامة المشروع دون تحميل الموازنة الوطنية أعباء مستعصية؟


اللجوء إلى القروض السيادية أو تقديم ضمانات سيادية لمثل هذا النوع من "الترف الاستثماري" يُعدّ خطأً استراتيجيا غير مقبول.

ينبغي أن يظل إنفاق الخزانة العامة محصورًا في الأولويات الوطنية الملحّة، وعلى رأسها محاربة الفقر والجهل والمرض، وخلق فرص الشغل.

الخيار الأنسب يتمثل في الشراكة بين القطاعين العام والخاص بصيغة BOT، على أن يوجّه القطاع الخاص المغربي استثماراته نحو المشاريع التنموية الأساسية ذات الأثر الاجتماعي السريع.

أما المشاريع ذات الطابع الرأسمالي المرتفع، مثل الطاقة والهيدروجين الأخضر، فيجب طرحها كفرص استثمارية أمام المستثمرين الأجانب القادرين على جلب رأس المال والتكنولوجيا معًا.

في المقابل، يلتزم المغرب بتوفير اليد العاملة والمكوّن المحلي، بما يساهم في تطوير الصناعات المغذّية، وخلق فرص شغل مستدامة، وتعزيز القيمة المضافة الوطنية.

كما تمثّل الصكوك أداة تمويلية فعّالة، غير أن استخدامها يجب أن يظل موجّهًا لتمويل الاحتياجات الاستثمارية الوطنية الملحّة، مثل بناء المدارس والمستشفيات، وتحسين جودة التعليم والصحة، وتطوير الزراعة الحديثة وترشيد استهلاك المياه، إلى جانب مشاريع الاقتصاد الأزرق، بما يرفع من أداء الدولة ويعزّز الدخل القومي ودخل الفرد.


بعض هذه المشاريع (مثل تحلية المياه أو السكك) قد تحتاج عبئا كبيرا على الخزينة أو ضمانات مستقبلية. 
كيف يمكن تقييم مخاطر الدين أو الالتزامات الضمنية المرتبطة بها، وما هي الضمانات أو آليات الحوكمة التي تراها ضرورية لتفادي تراكم ديون مُرهقة؟

تقييم المخاطر لا يجب أن يقتصر على الجانب المالي فقط، بل ينبغي أن يشمل الأثر البيئي والاجتماعي، ومدى جاهزية البنية التحتية القائمة، من شبكات الكهرباء والماء والصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، إلى الطرق وشبكات النقل، لاستيعاب متطلبات الاستثمارات الجديدة.

من الضروري اعتماد إعادة جدولة الديون بدل تحويلها إلى أسهم، إذ أرفض بشدة التوجّه السائد في بعض دول المنطقة نحو ما يُسمّى بتحويل الديون إلى استثمارات.


الأجدى هو وقف حلقة الاقتراض المتواصل لسداد خدمة الدين، التي تستنزف الميزانية، والعمل على معالجة الدين القائم بشكل مستدام.

مكافحة الفساد تمرّ عبر الالتزام بالمعايير الدولية، حيث إن الحوكمة الرشيدة والامتثال لمعايير المحاسبة الدولية (IFRS) ومعايير المراجعة الداخلية (IIA Standards) لا ترفع فقط من أداء الدولة، بل تساهم في تطوير قطاع الاستشارات الوطني، واستقطاب شراكات مع مكاتب استشارية عالمية، ما يشكّل عنصر جذب حقيقي للمستثمرين الأجانب.

في مشاريع كبرى مثل توسعة الموانئ، البنى التحتية للطاقة أو النقل، كيف تقيّم الأثر الاقتصادي الفعلي ليس فقط على الناتج أو التصدير، بل على خلق فرص شغل محلية وتنمية الصناعات والصادرات؟ وما المعايير التي يجب أن تُعتمد لقياس هذا الأثر؟


تقييم الأثر الاقتصادي للمشاريع الكبرى يجب أن يتجاوز المؤشرات التقليدية، ليشمل توطين التكنولوجيا ورفع نسبة المكوّن المحلي في سلاسل الإنتاج.

الخطوة الأهم قبل إطلاق أي استثمار في البنية التحتية، خصوصًا الموانئ التخصصية، هي التسويق المسبق وإبرام اتفاقيات دولية واضحة.
لا يجوز تشييد موانئ عملاقة ثم البحث لاحقًا عن من يشغّلها، بل ينبغي تأمين تشغيلها مسبقًا عبر شراكات دولية، وتكتلات اقتصادية، وإحياء التعاون المغاربي، والدخول في بروتوكولات اقتصادية إفريقية وأوروبية.

هذا النهج يضمن عائدًا فوريا على الاستثمار، ويقلّل من مخاطر التعطيل أو ضعف الاستغلال.

المعايير المعتمدة يجب أن ترتكز على مضاعف الأثر الاقتصادي، ونسبة التوطين الصناعي والتكنولوجي، وعدد ونوعية الوظائف المستدامة والمجزية التي يتم خلقها، ومدى مساهمة المشروع في رفع الصادرات الوطنية.

بالنظر لمنافسة دولية على استقطاب مشاريع الطاقة والبنية التحتية (خاصة مع التحول للطاقة الخضراء والهيدروجين)، ما العوامل التي تجعل المغرب بلدا جذابا للمستثمر الأجنبي في هذه المشاريع؟ وكيف يمكن تصميم عقود وتمويلات تضمن شفافية، حماية للمستثمر والمصلحة الوطنية في آن واحد؟

الجاذبية الاستثمارية لا تُبنى فقط على الإعفاءات الضريبية والجمركية، بل على منظومة متكاملة يبحث فيها المستثمر الأجنبي عن الأمان لاستثماراته وأرباحه.

العاملان الأكثر تأثيرًا هما الاستقرار الدستوري وسيادة القانون، إذ إن سرعة إنفاذ الأحكام، وضمان الحقوق، وانخفاض معدلات الفساد والجريمة، وسهولة ممارسة الأعمال، وحماية الملكية الفكرية، كلها عناصر حاسمة في قرار الاستثمار.

العاملان الأكثر تأثيرا هما الاستقرار الدستوري وسيادة القانون، إذ إن سرعة إنفاذ الأحكام، وضمان الحقوق، وانخفاض معدلات الفساد والجريمة، وسهولة ممارسة الأعمال، وحماية الملكية الفكرية، كلها عناصر حاسمة في قرار الاستثمار.

كما تشكل القوة المالية والشفافية ركيزة أساسية، من خلال كفاءة النظام المصرفي، وسهولة تحويل الأموال، واستقرار العملة المحلية، وقوة احتياطي الذهب والعملات الأجنبية لدى البنك المركزي.

ولا يمكن فصل الجاذبية الاقتصادية عن البعد المجتمعي والإنساني، إذ ترتبط ثقة المستثمرين بوجود الحريات العامة، وحرية الصحافة، وتشجيع الابتكار، ودعم المبادرات الشبابية، باعتبارها مؤشرات على استدامة النمو والاستقرار طويل الأمد.