كيف تراهن الدولة على القطاع الخاص لإعادة إنعاش الاستثمار؟

الاقتصاد الوطني - 04-09-2025

كيف تراهن الدولة على القطاع الخاص لإعادة إنعاش الاستثمار؟

اقتصادكم 

 

في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحولات جذرية ومنافسة شرسة على جذب الاستثمارات، قرر المغرب كسر النموذج التقليدي الذي ظلت فيه الدولة الممول الأول، وفتح صفحة جديدة عنوانها "الاستثمار كمحرك رئيسي للتنمية"، بقيادة القطاع الخاص وبشراكة استراتيجية مع الدولة، حيث لم يعد الأمر يتعلق فقط بأرقام وإنفاق عمومي، بل بتحول عميق في الرؤية والمنهج، يستهدف إعادة هندسة مناخ الأعمال، وتوجيه رأس المال نحو القطاعات التي تصنع الفارق في التشغيل، والقيمة المضافة، والسيادة الإنتاجية.

وفي هذا السياق، كشف مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، أن المغرب دخل مرحلة جديدة من التفاعل بين الدولة والمقاولة، قائمة على الثقة والتكامل وتوزيع الأدوار، حيث يهدف ميثاق الاستثمار الجديد إلى تعبئة استثمارات إجمالية بقيمة 550 مليار درهم بحلول سنة 2026، منها 350 مليار درهم من القطاع الخاص، و200 مليار درهم من الاستثمار العمومي، في تغيير جوهري لمعادلة كانت تقليدياً تُحمل الدولة العبء الأكبر.

وحسب تقرير المركز الذي اطلع موقع "اقتصادكم" على نسخة منه، فإن الميثاق يرتكز على تحفيز المشاريع ذات القيمة المضافة العالية، والتأثير الإيجابي على المستوى الترابي، وذلك عبر منظومة متكاملة من الحوافز المالية والجبائية، قد تصل إلى 30% من الكلفة الإجمالية للمشروع في بعض الحالات، ما يبرز نجاعة السياسة الجديدة في تشجيع استثمارات نوعية ومستدامة.

وأضاف التقرير أن الميثاق يعمل على توجيه الاستثمار العمومي نحو البنيات التحتية والخدمات الأساسية، بدل التنافس مع القطاع الخاص في الأنشطة الإنتاجية، وذلك من خلال تركيز تدخل الدولة في مجالات مثل تطوير المناطق الصناعية، ورقمنة الإدارة، وتحسين العدالة المجالية، وتسهيل الولوج إلى التمويل.

وأورد المركز أن من أبرز آليات الميثاق ما يعرف بـ"بنك المشاريع"، وهو منصة وطنية تضم حوالي 300 مشروع صناعي واستثماري جاهز للتمويل، ما يوفر للمستثمرين فرصا واضحة ومضمونة، ويحد من عوائق اتخاذ القرار، مع ربط هذه المشاريع بآليات تمويل مدعومة. 

وبخصوص تنزيل هذا التوجه الجديد، أوضح التقرير أنه تم إنشاء لجنة وطنية للاستثمار يرأسها رئيس الحكومة، وتضم مختلف القطاعات الوزارية، تتولى تسريع البت في الملفات الكبرى وتجاوز البطء الإداري، كما تم تمكين المراكز الجهوية للاستثمار من أدوات رقمية لتوفير المواكبة القبلية والبعدية للمشاريع. 

وقد كشفت وزارة الاستثمار، حسب نفس التقرير، أن أزيد من 2500 مشروع جديد تم تسجيله في ظرف سنة واحدة على المنصة الرقمية "CRI INVEST"، مما يؤكد تنامي اهتمام الفاعلين الاقتصاديين بالفرص الجديدة، رغم أن التقييم النهائي للأثر لا يزال يحتاج إلى مزيد من الوقت والمعطيات.

كما تراهن الدولة على خلق 500 ألف منصب شغل جديد بحلول 2026، وتحسين المؤشرات الصناعية، وتقليص العجز التجاري، وتعزيز الإنتاج المحلي في قطاعات استراتيجية مثل الصناعات الغذائية، وصناعة الأدوية، والتكنولوجيات النظيفة، وذلك عبر تحفيز الاستثمار في الجهات الأقل نموا، من خلال منح استثنائية وتوفير العقار بأسعار تفضيلية.

وأبرز التقرير أن هذا التحول يعكس انتقالا تدريجيا نحو دور جديد للدولة، يتجاوز التمويل والتسيير المباشر، إلى مهام التحفيز والتقنين والتوجيه، في إطار شراكات واضحة مع القطاع الخاص، من خلال تعاقدات جهوية للتنمية الاقتصادية تُحدد الأهداف والمسؤوليات وتعزز ثقافة التقييم والمحاسبة.