كيف يتأثر الاقتصاد الوطني بتقلبات الجغرافيا السياسية وأسعار الطاقة وسلاسل الإمداد العالمية؟

الاقتصاد الوطني - 14-11-2025

كيف يتأثر الاقتصاد الوطني بتقلبات الجغرافيا السياسية وأسعار الطاقة وسلاسل الإمداد العالمية؟

اقتصادكم - أسامة الداودي


تشهد الأسواق العالمية اضطرابات متزايدة نتيجة التوترات في الشرق الأوسط، مع ارتفاع أسعار النفط وتهديد سلاسل الإمداد العالمية، حيث يواجه المغرب الذي يعتمد على الواردات ومسارات الشحن تحديات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة.

وفي ظل تقلبات الأسواق العالمية وأسعار الطاقة، يطرح تساؤل مهم، يتمثل في كيفية تأثر الاقتصاد الوطني بتقلبات الجغرافيا السياسية العالمية، ومدى انعكاساتها على سلاسل الإمداد واللوجستيك والطاقة.

أهمية الجيوبوليتيك والجيو-اقتصاد لفهم ديناميات الاقتصاد والسياسة العالمية

وفي هذا الصدد، اعتبر الأستاذ المبرز في الاقتصاد والجيوسياسية والدكتور الباحث في الجيو-اقتصاد والجيوسياسية، مصطفى الخنشوفي، أن دراسة الجيوبوليتيك والجيو-اقتصاد تُعد أساسية لفهم الديناميات المعقدة التي تشكل عالم اليوم، مشيراً إلى أن المجالين متكاملان ويشكلان عنصرين جوهريين في العلاقات الدولية وصياغة السياسات.

وتابع مصطفى الخنشوفي، في تصريح لموقع "اقتصادكم" أن الجيوبوليتيك تحلل علاقات القوة السياسية على المستوى العالمي مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الجغرافية، بينما يدرس الجيو-اقتصاد التفاعلات الاقتصادية بين الدول وتأثير العوامل الاقتصادية في العلاقات الدولية، مشدداً على تطور هاتين المقاربتين لتصبحا تخصصين علميين متكاملين يعتمد كل منهما مفاهيم ومنهجيات دقيقة لفهم القضايا الجيوبوليتيكية والجيو-اقتصادية المعاصرة.

تأثر الاقتصاد المغربي بالصدمات الخارجية وآليات التكيف الاستراتيجية

كما أورد الدكتور الباحث في الجيو-اقتصاد والجيوسياسية أن الاقتصاد الوطني يتأثر عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة، منها زيادة فورية في أسعار الطاقة تؤثر على تكاليف النقل والإنتاج، واضطرابات في سلاسل التوريد تؤخر مدخلات الإنتاج، لا سيما في قطاعي السيارات والنسيج، بالإضافة إلى تأثر معنويات المستثمرين والأسواق المحلية بما ينعكس على أداء البورصة الوطنية.

وأبرز الخنشوفي أن الوضع الأمني الإقليمي يعد عاملاً مؤثرا في الطلب السياحي، إذ يمكن لأي تدهور أن يقلص الانتعاش الذي بدأ يطرأ بعد جائحة كورونا، مؤكداً أن أي تصعيد جيوسياسي سريع يمكن أن ينتقل مباشرة إلى المؤشرات الاقتصادية الوطنية ويؤثر على الاستقرار المالي والاجتماعي.

وتطرق المتحدث عينه لمدى تعرّض المغرب لصدمات خارجية في مجالات الطاقة والتجارة واللوجستيك، موضحاً أن المغرب يواجه تعرضا مرتفعا للطاقة نظراً لاعتماده الكبير على استيراد المنتجات النفطية المكررة بعد إغلاق مصفاة محلية، ما يجعل أي صعود عالمي في أسعار النفط يترجم بسرعة إلى ارتفاع أسعار المحروقات محلياً ويضغط على القدرة الشرائية للمواطنين.

وأشار إلى أن التجارة واللوجستيك في المغرب يمثلان محورا أساسياً للتعرض الخارجي، حيث تمر أكثر من 90% من التجارة الخارجية عبر البحر، مما يجعل ارتفاع أسعار الشحن أو تعطّل طرق المحيط الهندي، مضيق هرمز، أو قناة السويس، عاملا مضاعفاً لزيادة كلفة الواردات والصادرات وإطالة أوقات التسليم، وهو ما يهدد تنافسية القطاعات الصناعية المعلبة مثل السيارات والطائرات والأغذية ضمن سلاسل القيمة.

وأضاف الخنشوفي أن المغرب يمتلك آليات للتكيّف مع هذه الصدمات، تشمل تخزينا استراتيجياً للطاقة والمواد الأساسية، وتنويع الموردين ومسارات الشحن عبر سياسات التقريب الجغرافي للإنتاج (nearshoring) والتنوع الاستراتيجي، إلى جانب استخدام عقود التأمين والتحوط للطاقة واللوجستيك، وتسهيلات ائتمانية للشركات المتضررة، فضلاً عن تعزيز السياسات الاجتماعية لمواجهة ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.

وفيما يخص السياسات المستقبلية، لفت المتحدث ذاته إلى أن هذه الاستراتيجيات التكيفية لا تقتصر على مواجهة الأزمات قصيرة الأمد، بل تهدف إلى تعزيز مرونة الاقتصاد الوطني وتوفير أدوات استباقية تضمن استقرار الأسواق وتحافظ على تنافسية المغرب في سياق التوترات الجيوسياسية العالمية.

وزاد موضحا أن دمج الجيوبوليتيك مع الجيو-اقتصاد يوفر إطاراً تحليليا قويا لصانعي القرار، يمكنهم من تقييم المخاطر الخارجية ووضع خطط استراتيجية شاملة تعزز من قدرة المغرب على التكيف مع الصدمات، سواء في الطاقة أو التجارة أو سلاسل الإمداد، مع حماية الاقتصاد والمجتمع معاً.