اقتصادكم - أسامة الداودي
في ظل التحولات العالمية في قطاع الطاقة، يواصل المغرب تعزيز مكانته الإقليمية في مجال الطاقة النظيفة، مع تركيز كبير على مشاريع استراتيجية تهدف إلى توسيع إنتاج الهيدروجين الأخضر ودمجه ضمن سياساته الطاقية الوطنية.
سنة 2025، شهدت خطوات غير مسبوقة لدعم المشاريع الطاقية الكبرى بالمغرب، بما يعكس التوجه الحكومي لتطوير سلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر، عبر الموافقات على استثمارات بمليارات الدولارات لتعزيز الابتكار والتنمية المستدامة.
وفي هذا الصدد، أبرز الأستاذ الجامعي بجامعة محمد الأول بوجدة المتخصص في الطاقات المتجددة والتكنولوجيات الخضراء، كمال الحيرش، أن الهيدروجين الأخضر يمثل أحد المحاور الاستراتيجية الكبرى في مسار الانتقال الطاقي بالمغرب، مؤكداً دوره المركزي في تعزيز مكانة المملكة كبلد رائد في تبني سياسة مناخية مندمجة ومستدامة.
وتابع كمال الحيرش أن الإمكانيات الطبيعية التي يتمتع بها المغرب، من موارد غنية في الطاقة الشمسية والرياح، تمنحه فرصة فريدة لإنتاج الهيدروجين النظيف بتكلفة تنافسية، وهو ما يجعله في موقع استراتيجي على الصعيد الإقليمي والدولي لمواجهة تحديات الطاقة المستدامة.
وواصل أن الانتقال من مرحلة التخطيط إلى الإنتاج الصناعي الهيدروجيني يواجه تحديات تقنية ولوجستية كبيرة، تتطلب تطوير البنية التحتية الوطنية وتعزيز القدرات البحثية والتقنية لضمان فعالية وكفاءة الإنتاج ومواءمته مع المعايير الدولية في هذا المجال.
وزاد المتخصص في الطاقات المتجددة والتكنولوجيات الخضراء موضحاً أن أبرز التحديات التقنية تكمن في محدودية نضج تقنيات التحليل الكهربائي للماء، حيث تواجه المحللات الكهربائية الحالية مشاكل تتعلق بارتفاع تكاليف الاستثمار، وضعف الكفاءة الطاقية، وصعوبة التشغيل في البيئات الحارة والجافة.
كما أكد أن تطوير قدرات المغرب الوطنية في ابتكار وتصنيع وصيانة هذه المحللات وتحسين أدائها يمثل خطوة أساسية لتقليص الاعتماد على الموردين الأجانب، وضمان الاستقلالية التكنولوجية، مما يساهم في تعزيز تنافسية القطاع على المدى الطويل.
وشدد الحيرش على أن الموارد المائية تمثل عنصرًا محوريًا في إنتاج الهيدروجين، إذ يحتاج كل كيلوغرام من الهيدروجين نحو تسعة لترات من المياه المنزوعة الأملاح، وهو ما يتطلب تخطيطاً دقيقاً لضمان الاستدامة البيئية وحماية الموارد العذبة في المملكة.
وأوضح أن دمج مشاريع الهيدروجين الأخضر مع وحدات تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة المتجددة يعد حلاً مثالياً لتجاوز التحديات المائية، مما يسهم في الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية دون التأثير على الأمن المائي الوطني ويضمن استدامة المشروع.
وتطرق المتحدث عينه إلى الجانب اللوجستي، مشيراً إلى أن انخفاض الكثافة الطاقية الحجمية للهيدروجين يفرض بناء بنية تحتية متخصصة تشمل أنابيب نقل آمنة وخزانات مبردة بتقنيات متقدمة، أو اعتماد حلول بديلة بتحويل الهيدروجين إلى مشتقات قابلة للنقل كالأمونيا أو الميثانول.
وأضاف الحيرش أن غياب شبكة وطنية متكاملة قادرة على تلبية متطلبات النقل والتخزين والتوزيع يؤثر بشكل مباشر على جدوى تصدير الهيدروجين المغربي في المستقبل ويحد من القدرة التنافسية للقطاع، مما يستدعي تحركاً سريعاً لإنشاء بنية متكاملة.
وفيما يخص التنظيم والمعايير، ذكر أن نجاح منظومة الهيدروجين يتطلب وضع إطار قانوني واضح لتصديق المنشأ “الأخضر”، إلى جانب بروتوكولات سلامة دقيقة ومعايير نقل وتوزيع صارمة، وذلك لجذب الاستثمارات وضمان مطابقة الإنتاج للمواصفات الدولية.