اقتصادكم- عبد الصمد واحمودو
على بعد أشهر قليلة من انطلاق فعاليات كأس العالم المقررة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، عمت موجة غضب واسعة في صفوف الجماهير التي تخطط لحضور مباريات منتخبتها، أو بعض المباريات التي ستلتقي فيها فرق قوية، بسبب أسعار التذاكر التي فاقت المتوقع، ونغصت فرحة الجماهير قبل انطلاق العرس الكروي العالمي.
وحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، تبدأ أسعار تذاكر نهائي كأس العالم من نحو 4195 دولارا، وقد تصل إلى 8680 دولارا للمقاعد المميزة، في رقم لم تشهده البطولة في تاريخها الحديث، حيث يمتد الغلاء إلى مباريات دور المجموعات، إذ يبلغ متوسط سعر التذكرة: نحو 380 دولارا لمباراة عادية، وحوالي 500 دولار لمواجهة منتخبات كبرى، مثل مباراة كرواتيا وإنجلترا في دالاس.
في حين أن التذاكر الأقل ثمن، تبدأ من 265 دولارا، وهي محدودة العدد وشبه نادرة.
في هذا السياق، يرى زكرياء العطوش مستشار في التدبير الرياضي وحكامة المنشآت الرياضية، " أن كأس العالم 2026، يطرح إشكالا بنيويا يتجاوز الجوانب التنظيمية والتقنية، ويتمثل أساسا، في ارتفاع تكاليف الولوج إلى البطولة، سواء من خلال أسعار التذاكر أو مصاريف السفر والإقامة، إضافة إلى آليات التوزيع الرقمية المعقدة التي تُقصي، بشكل غير مباشر، فئات واسعة من الجماهير. هذا الواقع يعكس تحولا، مقلقا في كرة القدم العالمية، حيث بات منطق الربحية يطغى على بعدها الشعبي والإنساني".
الجمهور المغربي ركيزة أساسية
في السياق ذاته، أفاد المستشار زكرياء العطوش، "أنه بالنسبة للمغرب، يكتسي هذا المشكل بعدا خاصا، نظرا للدور المحوري الذي تلعبه الجماهير المغربية في إنجاح التظاهرات الرياضية الكبرى. تجربة كأس العالم 2022 أكدت أن الحضور الجماهيري المغربي لم يكن عنصرا مكملا، بل ركيزة أساسية في خلق الزخم الرياضي وإغناء المشهد داخل المدرجات. إقصاء هذه الجماهير بسبب عوائق مالية أو تنظيمية يُفقد البطولة جزءا من روحها وتنوعها".
وأضاف، "يزداد الإشكال تعقيدا مع تركز المباريات في مدن ذات تكلفة معيشية مرتفعة، ما يحول الإقصاء من حالة ظرفية إلى إقصاء هيكلي ناتج عن تراكب عوامل اقتصادية وتنظيمية. الأخطر من ذلك هو اعتبار الجمهور كمستهلك وليس شريك في الحدث، وهو ما يتعارض مع جوهر كرة القدم كفضاء للهوية الجماعية والتفاعل الاجتماعي، خصوصا في بلدان مثل المغرب".
تناقض في خطاب الفيفا
وكشف المصدر ذاته، أنه من منظور الحكامة الرياضية، "يبرز تناقض واضح بين خطاب الفيفا حول عالمية اللعبة، وبين ممارسات اقتصادية لا تراعي الفوارق بين دول الشمال والجنوب". وقال "إن غياب سياسات تسعير عادلة وتدابير ولوج تصحيحية يطرح تساؤلات جدّية حول مستقبل العلاقة بين كرة القدم وجماهيرها، خاصة لدى فئة الشباب".
كما أن معالجة هذا المشكل لا تمر عبر خفض الأسعار بشكل مطلق، بل عبر تبني سياسات ذكية، من قبيل التسعير التفاضلي، تخصيص حصص تذاكر مدعومة لجماهير منتخبات مثل المغرب، وإشراك الاتحادات الوطنية في صياغة آليات ولوج أكثر عدالة. دون ذلك، قد يكون كأس العالم 2026 ناجحاً مالياً، لكنه سيظل منقوصاً جماهيرياً، ما يتعارض مع رسالته كحدث عالمي جامع يعكس قيم الانتماء والتنوع الإنساني.