واقع الأرقام يتصدى لطموحات الانتقال الطاقي بالمغرب

الاقتصاد الوطني - 16-05-2025

واقع الأرقام يتصدى لطموحات الانتقال الطاقي بالمغرب

اقتصادكم


في وقت يرفع فيه المغرب سقف طموحاته في الانتقال الطاقي، تثير المعطيات الرقمية التي نشرتها مؤخرًا وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة تساؤلات عديدة حول واقعية هذه الاستراتيجية.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الاستهلاك الوطني من المنتجات البترولية بلغ 12.4 مليون طن سنة 2024، بزيادة 6% عن سنة 2023، رغم إعلان الوزارة عن سيناريو "صفر انبعاثات" يطمح إلى تقليص الطلب بـ41% بحلول 2030. ورغم هذا التوجه، تُبرمج مشاريع ضخمة لتوسيع قدرات التخزين، ما يطرح تناقضًا بين الأهداف والقرارات الاستثمارية، خصوصًا أن 51% من هذه القدرات ستخصص للغازوال.

وقدم الدكتور محمد بويطي، خبير في التحول الطاقي وإزالة الكربون، قراءة نقدية لهذه المعطيات، في حوار مع أسبوعية "فينونس نيوز" داعيًا إلى مراجعة شاملة للإطار التشريعي لضمان انتقال طاقي حقيقي وعادل.

وأكد الخبير أن معطيات أساسية تغيب عن الوثيقة الوزارية كحجم مساهمة الطاقات المتجددة في المشاريع الجديدة، وتوقعات خفض الانبعاثات، ومدى التوافق مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة. كما لا يتم احتساب الانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن قطاع البناء، الذي يمثل 23% من الانبعاثات الوطنية، رغم وجود مرجعيات وطنية للبناء المستدام منذ 2021.

من جهة أخرى، يضيف المتخصص في قطاع الطاقة، تتجه الاستراتيجية إلى تطوير بنية تحتية مكلفة للغاز الطبيعي المسال، عبر موانئ الناظور والداخلة، دون أي تحليل يوضح مدى توافق هذه الاستثمارات مع أهداف إزالة الكربون. فرغم كون الغاز أقل تلوثًا من الفحم أو النفط، فإنه يبقى مصدرًا مهمًا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان.

المتحدث ذاته حذر من أن التركيز على الغاز قد يؤدي إلى خلق "تبعية جديدة" تقوض التزامات المغرب في إطار خطة المناخ الوطنية 2030. فالقوانين المنظمة للقطاع، وعلى رأسها القانون 67-15، تركز على الأمن الطاقي واستقرار سوق المحروقات، دون إشارة إلى الأثر البيئي أو التوافق مع الالتزامات المناخية الدولية، ولا تميز بين المحروقات التقليدية وتلك البديلة.

ولهذا، يدعو الخبير إلى مراجعة القانون ليشمل مقتضيات مناخية واضحة، بما يعزز شفافية البلاد ويجذب الاستثمارات الأجنبية التي باتت تشترط وضوحًا أكبر في سياسات المناخ. وتجدر الإشارة إلى أن المغرب استقطب 2.1 مليار يورو في الطاقات المتجددة بعد تحسين آليات التبليغ المناخي سنة 2022.

ولتفعيل انتقال طاقي حقيقي، يقترح الخبير عدة حلول عملية: أولًا، إدماج معايير النجاعة الطاقية والانبعاثات في الصفقات العمومية؛ ثانيًا، اعتماد سياسة تحفيز ضريبي للمقاولات المنخرطة في الحلول منخفضة الكربون؛ ثالثًا، تحديد أهداف إلزامية لخفض الانبعاثات حسب كل قطاع؛ وأخيرًا، تخصيص آليات تمويل موجهة لدعم إزالة الكربون في صفوف المقاولات الصغيرة والمتوسطة.

ويخلص الدكتور إلى أن الانتقال الطاقي في المغرب يعاني من رؤيتين متناقضتين: إحداهما تكرس الاعتماد على الطاقات الأحفورية عبر مشاريع ضخمة، والأخرى تسعى إلى إزالة الكربون. وبين هذين التوجهين، تبدو استراتيجية المغرب أقرب إلى تجميع مبادرات متفرقة منها إلى خطة شاملة منسجمة.

ويؤكد أن النجاح يتطلب شفافية أكبر حول الأثر المناخي للمشاريع، وتنسيقًا محكمًا بين الأطر التشريعية المختلفة. فالانتقال الطاقي يجب أن يكون "مصلحة عامة، لا مجرد مجال للربح"، وهو ما يتوجب أخذه بعين الاعتبار في التخطيط لمستقبل الطاقة في المغرب.