اقتصادكم
في خطوة إصلاحية جريئة، صادق مجلس الحكومة بتاريخ 9 أكتوبر على مشروع قانون جديد يُنهي العقوبة الحبسية التلقائية في حالات الشيكات بدون رصيد. يتعلق الأمر بمراجعة عميقة للقانون تهدف إلى ترسيخ منطق اقتصادي أكثر واقعية، يستند إلى المسؤولية المدنية والتسوية الودية، بدلًا من المقاربة الزجرية التي كانت سائدة.
المنظور الجديد الذي يتبناه النص التشريعي لا يسعى إلى "تبييض" المخالفات المالية، بل إلى إعادة الثقة في الشيك كوسيلة أداء، دون تحويل كل عثرة مالية إلى مسألة جنائية. وكما أوضح الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، فإن الغاية هي "إصلاح الإطار القانوني وتبسيط الإجراءات لحماية الأطراف وتمكينهم من تسوية النزاعات بعيدًا عن المحاكم قدر الإمكان".
الشيكات بدون رصيد، والتي بلغت ما يقارب مليون حالة رفض سنة 2024 من أصل 30 مليون معاملة، لم تعد تُواجَه أوتوماتيكياً بالسجن، ما دام صاحب الشيك قد قام بالتسوية. العقوبة الجديدة تحدد في غرامة موحدة بنسبة 2% من مبلغ الشيك، مقابل 25% في النظام السابق. كما تم فتح باب الصلح في جميع مراحل الدعوى، بما في ذلك ما بعد الإدانة، ما يُعزز من فرص التفاهم وتفادي الزج بالأشخاص في السجون.
من أبرز ما جاء به النص الجديد أيضًا، استثناء النزاعات بين الأزواج أو الأقارب من نطاق المتابعة الجنائية، في إشارة إلى التمييز بين الطابع الأسري للمشكل والطابع التجاري.
وفي تعليقها على الموضوع، أكدت المحامية بهيئة الدار البيضاء، الأستاذة عايدة بناني، في تصريح لجريدة "Finances news hebdo " أن "السجن لا يمكن أن يكون حلًّا لمشكل اقتصادي أو خطأ في التدبير"، مضيفة أن "هذا الإصلاح ينسجم مع فلسفة ملاءمة العدالة مع الواقع الاقتصادي، شرط أن يتم توفير الآليات القانونية الكافية لحماية الدائنين".
لكن هذا الانتقال من النظام الزجري إلى القضاء المدني يطرح تحديات كبيرة. فحسب عدد من المراقبين، فإن نجاح الإصلاح مرتبط أساساً بقدرة المحاكم المدنية على الاستيعاب السريع للنزاعات، من خلال الرقمنة، تبسيط المساطر، التسريع في إصدار أوامر الأداء، وتحديد آجال واضحة.
وفي هذا الصدد، تحذر الأستاذة بناني من أن "الإصلاح قد يتحول إلى مجرد فكرة جميلة على الورق إذا لم يصبح استخلاص الديون بسيطًا وسريعًا ومنخفض التكلفة، خصوصًا بالنسبة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تبقى أولى ضحايا التأخير أو التلاعب في الأداء".
من جهتها، تواكب الحكومة هذا التغيير بتدابير رقابية متقدمة، من بينها سجل وطني لحوادث الأداء، نظام مركزي للشيكات غير المنتظمة (SCCI)، آليات للتقييم المالي (scoring) وهي كلها أدوات تهدف إلى ضمان الشفافية، تتبع المتعثرين، وتمكين البنوك والفاعلين الاقتصاديين من اتخاذ قرارات مبنية على معطيات دقيقة، دون اللجوء الفوري إلى المحاكم.
هذا الإصلاح، في حال تفعيله بكفاءة، يمكن أن يؤدي إلى تخفيف الضغط على القضاء الزجري، تقوية الثقة في وسائل الأداء، تحسين مناخ الاستثمار والأعمال، تقليص الاقتصاد غير المهيكل، لكن النجاح، كما يشدد الخبراء، رَهين بتظافر جهود كل الفاعلين: من قضاة ومحامين ومقاولين وبنوك ومواطنين.