اقتصادكم
كثيرا ما كنت مهووسا بوجه الله حتى أنني حلمت به في إحدى الليالي، كنا في حقل تم للتو حصده بواسطة الحصادات، حصاد جيد وعصافير تدور في سماء صافية. كان هناك ثلاث جراء تقضم ذيولها وطفلتين ترتديان ملابس العيد، فستانين مزركشين بلون أصفر مذهل يتراقص مع ضوء بحري منبعث من السماء. كانتا تلعبان مع الجراء، من وقت لآخر تقفزان لتمسكا بطائر يثير برفرفته الغبار.
كنت جالسا تحت خيمة نصبها راعي قبل أن يهجر المكان، ثم ظهر رجل طيب من خلف الخيمة وقال لي بدون قصد بأنه الله، لا أعرف لماذا ولكني على الفور فهمت بأنها ليست مزحة. في ثناياي شعرت ببعض الفخر، لا غير، بالنهاية، هو هنا، واقف أمامي، ليس كما وصفته لمرات عديدة لأصدقائي عندما كنت أحدثهم عن عظمة الله. كان بالأحرى صغير الحجم، في كل الأحوال أصغر حجما من أخي الأكبر. أذكر أني قمت بهذه المقارنة لأنه بالنسبة لي أخي الأكبر كان معيارا لكل شيء حتى والدي كنت أقارنه به، بينما لم يكن أحد يأخذ بتلك المقارنة. ثم يسألني الله سؤالا غير متوقع، ألا تقدر العمل الذي أقوم به كل يوم؟ تنتقد صنائعي، مع أني أقوم بأفضل ما لدي؟ كان هذا إيذانا بتمام التساؤلات، لكنه بدا مهتما بوضعي البائس التافه.
أجبته بنبرة محرجة بأني لست متفقا، اعترف بأن جوابي لم يكن واضحا. غير متفق معه؟ مع ما قاله للتو أو غير متفق من الأساس مع من يكون؟ لدى الأحلام سحرها في تمرير كل شيء عبر الغموض والسرعة وعبر الوضوح المطلق. كان لدي انطباع بأني أستطيع أن أقرأه مثلما يستطيع هو. لم تكن العلاقة متساوية، بل كان لدي وعي كبير بقدرته على التحكم بالوضع، لكن الحلم منحني القوة للوصول إلى روح وكنه ما كنته بمواجهة حضوره. وجه يتأرجح دائما بين أمي، أخي وبعض الأصدقاء.
هذه الألفة هي التي جعلته قريب وفي المتناول. أو لربما طريقته اللطيفة جدا والهادئة في مخاطبتي كما لو كنت من نفس العائلة منذ فجر الزمن. كنت أحس بأنه هو كذلك يتساءل في قرارة نفسه عما أقصده بغير متفق. لم يكن هناك تتمة لسوء الفهم هذا، لكن الوجه الإلهي كان قد أتخذ في حركة غير ثابتة وضعا دام لثانية من الزمن. انقبض فيها قلبي، لم يكن لدي ما أقوله له. بالجوار استأنفت العصافير تغريدها والبنات استأنفن الجري خلف الجراء. التفت الله وهو يغادر كما ليضيف شيئا، لكنه بقي ممنوعا. كنت أرغب في الجري خلفه أنا أيضا، لأطلب منه مسامحتي لأني لم أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن الرضى بالفوضى. لكنه كان قد اختفى كما جاء في لمح البصر.
كان لهذا الحلم أشكال مختلفة على مر السنين مع بعض التفاصيل البارزة عن الوجه الإلهي. كان يجب أن أضع مكان هذا القالب، آلاف الوجوه، آلاف النظرات، مشاعر مخفية كما غير متوقعة بشأن ما أردته من هؤلاء أو أولئك. وأنا فتى لم أكن أفهم لماذا كل هذه التقلبات، ما أزعجني أكثر كان عدم قدرتي على رسم وجه موحد وفريد عن الله لإعادة صياغته بأحلامي ولاسيما تفاديا للحرج، في كل مرة كنت اتقلد فيها دوري في عد النجوم، لقضاء الوقت وللهرب من الجوع.
يتبع...