اقتصادكم
من الصحو حتى المنام، كان لدى حسن مهمة واحدة في الحياة: أن يجري ويلعب الكرة. كان يلعب بكل ما يصادفه، ليمونة، أو ورق ملفوف بشكل دائري لكي يتدحرج على الأرض حاملا معه غبار أيامنا. دائما مستعد لمباشرة مقابلة في كرة القدم، حتى في خضم انهماكه باللعب، إذا ما جُوبه بإغراء آخر يستحق العناء.
كان قادرا على أن يوقف زملاءه في منتصف اللعب ليستأنف من جديد بالانضمام إلى آخرين. لم يكن يتعب أبدا مع أنه لم يكن ينتعل غير الحفاء. كان حسن يقول بأن التون هو ما يزيد من طاقته. نعم إنها سندويتشات التون، جربوا لتروا. أكلنا سندويتشات التون لمرات عديدة عند بقال الحي، لم نكن قادرين على لعب ثلاث مقابلات متتابعة. بينما كان هو يستطيع ذلك، وأحيانا في المساء يستغفل أمه ليخرج مصطحبا كرته المنكمشة ليلعب وحده في سواد الليل.
لم يكن حسن ذا بنية جسدية قوية. حتى أنه كان أنحف منا. كنا نمازحه بالتعليق على عظامه التي تزوجت بغير رضى من جلده المزرق، لم يكن يجيب لكنه كان يضحك. كان يقول بأن لونه الأزرق الشاحب هو أكبر دلالة على الصحة. إنه الدم الذي يغلي في عروقه قد تحول لونه إلى الأزرق كعلامة على الاختلاف، بيننا وبينه، يقول، كل أولئك الذين لديهم قدرات بسيطة على التحمل بحيث لا يستطيعون تجاوز الخصائص العادية للدم الأحمر.
كان لديه أطروحة كاملة حول الألوان ودرجات الاختلاف بين البشر. كان يستطيع تدعيم أقواله بمختلف الأمثلة، يستقها من البيئة، عن أصدقاءنا الذين كانت ألوانهم تتأرجح بعد المجهود المبذول بين الوردي والأحمر الباهت. وحيث كان لدي لون أحمر قاتم إلى حد ما، كان حسن يرى أنني قابل للتطور، كل ما علي فعله هو أن أتدرب أكثر للوصول إلى مرحلة الأزرق. كان حسن يثبت عضلاته وهو يشبهها بالفواكه، الفخذ تفاحة حمراء متينة جدا، الساقين خوختين قاسيتين جدا، الذراعين إجاصتين وهكذا دواليك. استعارات مدهشة تجعلنا نضحك ملء صدورنا. هو كان بطل العالم في المراوغة والتحايل بسبب العشرات من المباريات التي كان يلعبها كل يوم، ولأنه كان جيدا وكان فريقه يفوز دائما، فقد كان لديه مال أكثر من الجميع.
لم يقبل بمساعدتي في سينما الكرتون إلا لأنه رأى مصلحة ما، في اللعبة. باختصار كانت تلك اللحظات الوحيدة في حياته على ما أظن التي فعل فيها شيئا آخر غير الجري خلف الكرة. لكن يجب هنا التحدث عن سندويتشات التونة الشهيرة لديه، لأن وجهات نظره بهذا الشأن كانت كأي شيء آخر معقدة تماما. كانت سندويتشات التونة تأخذ شكل المأدبة في الخلفية عند محل الشلح صاحب الأرداف الكبيرة، ولكن ماذا يعني سندويتش بالتونة؟ هو الشطيرة الأكثر شعبية والمحببة لدى أطفال الأحياء الضيقة، بعبارة أخرى، لدى أبناء الفقراء مثلنا. نصف باريسيان (خبز فرنسي) بعشرين سنتيم وعشرة سنتيم من التونة، بمعنى أن البقال يمسح لك السكين المغموس في زيت التونة الفاسد على الخبز ليعطيه النكهةᴉ وفيما يخص الثمانون ريالا الباقية، تستطيع أن تبتاع زجاجة ليمونادة كانت تسمى بوبس (الأصل الاشتقاقي غير موجود) هذا هو السندويتش. من منا لم يتناول يوما (الطن أو الحرور) بمعنى شطيرة بالتونة والحار، كان ذلك بمثابة العلاج اليومي. نلعب الكرة لنفوز ثم نذهب لنبتاع ما ينبغي شراؤه من عند محمد الشلح صاحب المؤخرة الكبيرة، نسطو على الطفل ابن البرجوازيين في الجوار، لأجل القطعة نفسها من الخبز المغمس في الزيت الحار.
لكي يذهب إلى أهله ليملئوا بطنه بطعام الفقراء هذا، الذي سيجعلك في الغد تلعن هذه الحياة بنت الكلب، لأنك وأنت تتغوط ستنتزع أحشاءك من الألم، كما لو كنت تتغوط شفرات حلاقة غير حادةᴉ لكن هذا لا يدوم إلا لوقت قصير خلال لحظات الاسترخاء بالمرحاضᴉ بسرعة تنسى المآسي والالتهابات الشرجية، لتستمر على نفس النهج كل يوم، ساندويتش على الساعة الرابعة عصرا بعد مباراة جيدة من كرة القدم، وآخر الساعة الثامنة مساء بعد ممارسة العادة السرية خلف الباب عند أحد الأصدقاء أو في المرحاض. وهكذا كانت الحياة جميلةᴉ تبتسم لنا الجنة دون تكلفةᴉ والله كما لو كان يشير علينا من علياء عرشه، بنظرته النافذة وبصيرته المتيقظة. لكن، نحن أبناء الأزقة التي تخلى الله عنها، نعرف أن المولى لديه أعمال جسيمة، أن يكون مسؤولا عن البشرية جمعاء ليس بالعمل الهينᴉ كانت أمي تقول بأننا نحن الأربعة نجعلها تفقد عقلها. ماذا سيقول الله عن مخلوقاته التي تعد بالملايين؟ بالتأكيد كلاما قدحيا من قبيل، "لم أنفخ فيكم الحياة لكي أحظى بالبائسين" يقول لنا إبراهيم، فيلسوف الدرب، الذي كان يقرأ ماركس وإنجلز بالعربية وهو ما يزال في الثانية عشرة.
يهوديان ألمانيان، سيحاولان الانقلاب ضد الله وعرشه، كما كان يقولᴉ مفتونا ومفتخرا بصديقيه الملتحيينᴉ هناك رجال يمتلكون الشجاعة الكافية لإزعاج الرجل المتربع على أريكته بلون السماءᴉ ثم ماذا تظن؟ أوروبا تجهز لثورتها ضد الإله، كان يقول لي، ويجب علينا أن نفعل مثلها كي لا نظل على الهامش لبقية أيامناᴉ لم يكن لدي أي رغبة في الثورة. ما أرغب به فعلا هو أن آكل ساندويتشات التونة ثم أعبث مع بنت الجيران قبل أن أعود إلى بيتنا.
يتبع...