اقتصادكم
بالحديث عن المدرسة وبلاويها، لشد ما كنت أكره دروسها الفارغة، حيث تتدفق تفاهات الأساتذة مثل زنابير مكسورة، لا يعرفون كيف يفرقون بين تحصيل العلم وبين حشو رؤوسنا الصغيرة بالتواريخ والأسماء التي لا معنى لها. المدرسة هي أكثر ذكرياتي حزنا، كنت أذهب إليها رغما عني. كنت أبكي في الطريق إلى المدرسة وأنا أستظهر أبيات الشعر المكتوبة عن تعاسة الأطفال. كنت أود اللعب، وقصيدتي تتحدث عن اللعب وعن الكرة المدورة، عن جدران اتسخت بسبب الكرة التي تدحرجت في الوحل والتي سحقت غضبي ضد قلاع العالم المنيعة.
اللعب هو أعظم وسيلة لاختراع السعادة، هو المعنى الحقيقي للوجود. كنت أعرف ذلك، بالتأكيد ليس بهذه الدقة، لكني كنت أعرف ذلك كما كنت أعرف أن المرأة الطيبة التي تضع وشما على ساعدها هي أمي. في اللعب عندما تتداخل فكرة الربح أو المكسب مع اللعبة، يصبح المجال مفتوحا للجنون والفضاضة. بالنسبة لي كان اللعب ترفا ليس بمقدوري الخوض فيه. إقحام المرح المجاني بالمال الذي من المفروض أن أربحه يشعرني بالحزن. بقدر ما أتذكر، كانت تلك هي المرحلة التي ظهرت علي فيها بوادر الحزن. علمت باكرا أنه ليس لدي وقت أضيعه على اللعب. فإذن كانت مساعدة الآخرين الذين لا يتوفرون إلا على الوقت الفارغ لقتله، بمثابة تعويض.
لنعد إلى السينما خاصتي، فبمجرد أن ألصق الورقة على الفوهة، وبواسطة نفس الشفرة، أحدث فتحتين على جانبي الفوهة، سيتم من خلالهما سحب الشريط السينمائي الذي تمت سرقته من صالات السينما الموجودة بالحي، سينما السعادة وسينما الشريف، ولإنارة الشاشة كنت أستعمل شمعة، أقوم بتثبيتها خلف الورقة، وهي كافية لتكبير الصور التي كنت أعرضها ببطء لأجل متعة الزبائن.
عشرة سنتيم للدقيقة الواحدة لمشاهدة فيلم من صنعي، كنت أعمل على المونتاج بنفسي، حيث كان يتعين علي قضاء وقت أطول بالمرحاض كي يتسنى لي لصق أطراف الأشرطة المسروقة من غرفة الإنارة من سينما الشريف، مع بعضها. أمي كانت تعتقد بأني أقفل علي في المرحاض لممارسة العادة السرية، أخبرتني بذلك بعدها، يوم أخبرتها كيف كنت أحصل على بعض المال بعد الخروج من المدرسة. كانت الأفلام تولد من تحت أصابعي بلا جينريك، بلا ممثل رئيسي أو البطل والبطلة. لكل دوره حسبما تقترحه قطع الشرائط وحسب الحظ الذي يهيئه المتدرب الهاوي ليقدمها على اختلاف وتنوع مؤثراتها بشكل مجنون ومثير لدى الجميع.
لإنجاز شيء مختلف عما يروج في السينما كنت أحيانا أقوم بإلصاق قطع الشرائط بشكل مائل قصد التلاعب بالزوايا والأبعاد. كانت أيضا محاولة مني لاقتراح شيء آخر على زبائني الذين لم يعجبوا باكتشافاتي وأسلوبي الواعد كسينمائي متدرب. الفيلم هو كل ما يطلبونه، صور متسلسلة لها بداية ونهاية. قصة ما. كنت في كل مرة أشرح لهم أن أفلامي أيضا تحتوي على قصة و بدايات، أعترف أنها لم تكن تامة، ليس أكثر من النهايات، لكن ما باليد حيلة، ما تبقى، يمكنني وضعه في خانة أخرى. على سبيل المثال، الفتاة التي امتطت الحصان وكانت ستضيع في الغابة، هذه الفتاة يريدون رؤيتها طوال الفيلم.
بالنسبة لي كان ذلك مستحيلا لسببين، أولا لا أتوفر على شرائط فيلم كافية تظهر عليها صاحبة الوجه الجميل وهي تمتطي الحصان. ثم أصبح لدي نوع من النفور تجاه هذا المخلوق العديم الطعم. كان يجب علي أن أعوض النقص بإيجاد شرائط أخرى من فيلم آخر، أضفتها إلى شريط المرأة التي تمتطي الحصان وتتجه نحو الغابة.
يتبع...