اقتصادكم
لم أحب ميشيل كور ليوني في البداية، وجدته في قمة الغباء، لكن بعد توالي الحلقات، أصبح لدي ارتباط بهذه الشخصية الجميلة والسوداء في آن.
كنت أحب تحدياته وأرى فيها تحدياتي، أحب مثابرته وإصراره الذي كنت أجسده في اليوم الموالي غداة تشغيل الفيلم، كما لو كنت أقرأ في كتاب عن كيفية التصرف في الشارع. وبشكل غير مباشر، كان هذا الأمر يتجسد في الأزقة المظلمة والوضيعة للحي. الأمان برعاية رجال العصابات، هؤلاء هم من يحيطون بعيونهم الجميع في هذا الحي الملعون.
تتعلم كيف تمشي، كيف تتهجى الكلمات كما لوكنت تتكلم بالعرض البطيء. ثم النظرة، نعم، كل التفاصيل في النظرة، عندما تعطي الانطباع بالنظر بعيدا بينما لا شيء يفلت. ثم الحركات باستخدام إيماءات الرأس وطريقة الالتفاتة، أبدا لا ينبغي الالتفات بسرعة كالخائف أو كالذي أخذ على حين غرة. لا، أولا، أترك الرأس يتحرك كما لو كان محمولا على نوابض متحركة ومرنة، بكل أناة. ثم تحرك الكتف بطريقة متتابعة ومتناغمة مع حركة الرأس، دون مباغتة أو استعجال. كل ذلك مع الاحتفاظ بنفس النظرة دائما، بشكل يجعلك تحتوي المشهد الذي يظهر أمامك كاملا.
هناك أيضا تفاصيل أخرى مثيرة للغاية في مجتمع الرجال، أن تحرص دائما على مخالفة الآخرين في الرأي، لأجل الهيمنة، يجب أن تقول لا لكل شيء وعن قناعة، مهما كان ما يمكن قوله، من الضروري المخاطرة بإيماءة من الرأس، وثني الكتف وتطعيم ذلك بلمسة سخرية حسب الموقف. لكن السخرية لا تعني اللؤم أو الاحتقار. هناك خيط رفيع بين السخرية والازدراء. حيث لا ينبغي إظهار الازدراء وإثارة غضب الآخر كي لا يقفز عليك بكل ما أوتي من قوة لإنهائك. لا يخوض الرجل في المخاطر التي ليست من ضمن معاركه. كنت أستطيع أن أثرثر هكذا لساعات أمام أصدقائي. وهم يشربون كلامي كالماء الزلال. الرجل الذي يفرض احترامه في الشارع، هو الذي ينطلق مباشرة نحو أهدافه، دون مراوغات، لكن مع الكثير من الضمانات. حتى وانا بصدد شراء لتر من الزيت، كنت أستخدم الكثير من الطرق والعبارات لإثارة إعجاب البقال.
كان ذلك بمثابة تمرين متواصل بهدف الوصول إلى الكمال. كل ذلك بهدف لعب دور ميشيل كور ليوني على الطريقة المغربية بالحي، مع كل الأصدقاء الآخرين لمجرد التباهي. أشهر من الاجتهاد والمثابرة للإحاطة اقصى ما يمكن بجميع معالم شخصية عظيمة مثل دون كور ليوني الحي المحمدي. مع أحلام كهذه، وشخصيات قوية كنموذج، تستطيع السينما أن تتقدم، طالما الرأس مليئة بالأفكار. عشرة سنتيم للدقيقة، ولأني لم أكن أتوفر على ساعة، كان لدي متعلم في الانارة يقوم بحساب الثواني. سمي بعد ذلك بحسن اﻠﻤﯖانة، لكن حسن كان مهووسا والثواني عنده لم تكن متساوية المدة.
تستطيع الثانية أن تتمدد وأن تتقلص حسب جه الزبون، إذا استحسن وجهك يستطيع إطالة الدقائق بالعد ببطء، وأحيانا يتظاهر بالخطأ لكي يعيد العد من البداية. في هذه الحالة كنت اشكك به، في أنه حصل على خمسة سنتيم بقشيش لأجل إطالة المدة. كنا نسمي هذه القطعة وقتها "الريال الأبيض"، وهو عبارة عن قطعة نقدية كبيرة من خردة بشعة لا تشبه أي نوع من القطع النقدية المعروفة، لكن الريال الأبيض كان ما يزال ذا قيمة وحيث ان الأحمق الصغير، كان يعيد لي على الأقل عشر مرات، نفس لعبة الدقائق الممدودة، بالتأكيد استطاع تحصيل ثمن سندويتش من التون. ما يعني أن مساعد الإنارة كان يجري صفقاته خلف ظهري معتقدا أني مغفل. كنت أعلم لكني كنت أغمض عيني لأن لعبته التافهة تسليني، وخاصة مظهره الأبله في تمديد الثواني في الزمن الميت وقد كان الوحيد الذي يعرف كيف يديره. في المساء كان حسن اﻠﻤﯖانة يبتاع سندويتش التون مستخفا بي وهو يحكي لأصحابه بأن السينما المتحركة لولاه ما كانت لتتحرك. كان يبدو دائما كمعتوه جائع، كمن يأكل للمرة الأولى بعد أمد طويل من التجويع القسري.
عندما كان حسن صغيرا، لم يكن يعيش سوى لشيئين: مبارياته في كرة القدم وسندويتشات التون. لكن ما يجذبنا نحن، لم يكن يهمه " لماذا أشغل نفسي بكل ذلك؟" كان يقول كمن أخذ على حين غرة. لديكم الوقت لتفعلوا كل ما تودون فعله، ذلكم شغلكم. بالنسبة لي، لا أحب شيئا غير الكرة، حتى سندويتشات التون لا آكلها الا بدافع الجوع، وإلا كنت لأقضي وقتي بين النوم والكرة".
لم أكن لأفهم هذا النمط في العيش، والذي كان على طرفي النقيض بالنسبة لي. كان لدي الوقت لألعب، لأمارس السينما، لأبيع السجائر بالتقسيط، ولتقبيل بنات الجيران في الظلمة تحت الدرج، كان لدي أيضا الوقت لمساعدة أمي في أعمال المنزل، بعد التسوق واقتناء الحاجيات من عند البقال، وقت للاستحمام، ولإنجاز تماريني وواجباتي على دفاتر الآخرين لأني لا أتوفر عليها، ووقت لإيصال رسائل أخوي الكبيرين إلى حبيباتهم، أن أقترف بعض الأفعال في الحي، المنافية للدين...ومن تم يبدو النهار طويلا أقصى ما يمكن، ممتدا كما لو كان الوقت يمنحني المزيد من الفرص للاستمتاع حتى النخاع.
يتبع...