كيف يبرز إشعاع كأس إفريقيا للأمم.. وكيف يمكن للمغرب الاستفادة من نهضته الكروية؟

كأس أفريقيا "اقتصادكم" - 19-12-2025

كيف يبرز إشعاع كأس إفريقيا للأمم.. وكيف يمكن للمغرب الاستفادة من نهضته الكروية؟

اقتصادكم- عبد الصمد واحمودو

أفاد الباحث في السياسات الرياضة، منصف اليازغي، في تصريح خص به موقع "اقتصادكم" في سياق تغطيته لمنافسات كأس إفريقيا للأمم المغرب 2025، "أن البطولة، لم تكن تحظى بإشعاع كبير إلى حدود سنة 1988، إذ كانت في بداياتها تُنظم في إطار بسيط جدا، ولم يكن هناك اهتمام دولي بالبطولة، وكانت في البداية مجرد مسابقة قارية محدودة.

حيث انطلقت بمشاركة أربعة منتخبات فقط، ثم ارتفع العدد لاحقا إلى ثمانية منتخبات، دون أن تلقى إقبالا جماهيريا أو تغطية إعلامية واسعة، وذلك بسبب الظروف التنظيمية وضعف المردودية التقنية آنذاك، رغم بروز بعض اللاعبين المميزين خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مثل الغيني ساليف كيتا، والمصري محمود الجوهري، والمغربي أحمد فرس".

ويرى اليازغي، "أن التحول الحقيقي في متابعة البطولة، يرجع إلى الإنجاز التاريخي الذي حققه المنتخب المغربي سنة 1986، عندما بلغ الدور الثاني في كأس العالم بالمكسيك. وبعد ذلك، نُظمت نسخة 1988 بالمغرب، حيث أنقذت المملكة تنظيم البطولة بعد اعتذار زامبيا عن احتضانها. ومنذ تلك النسخة، شهدت البطولة حضورا قياسيا لوسائل الإعلام الدولية".

وأضاف، "تزايد هذا الاهتمام أكثر بعد تأهل المنتخب الكاميروني إلى ربع نهائي كأس العالم بإيطاليا سنة 1990، إذ لوحظ في كأس إفريقيا 1992 بداكار بالسنغال اهتمام إعلامي كبير، مع التركيز على كل اللقطات الجميلة، بالنظر إلى الأثر الذي خلفه أداء الكاميرون في مونديال 1990. ومنذ ذلك الحين، تحولت كأس إفريقيا إلى منصة حقيقية لاكتشاف المواهب الكروية، حيث بات الجميع يتوافد لرصد أبرز اللاعبين الأفارقة والتعاقد معهم".

وأوضح الباحث، "أن هذا الزخم، ساهم في توسيع نطاق البطولة، حيث أصبحت تضم 54 منتخبا قاريا، ويشارك في نهائيتاها 24 منتخبا، مع متابعة إعلامية متواصلة على مدار الساعة، إلى جانب تسجيل مفاجآت لمنتخبات مثل مدغشقر وغيرها من الدول التي لم تكن كرتها منظمة في السابق.

كما أصبحت البطولة محل اهتمام كبير من القنوات التلفزيونية العالمية، نظرا لارتفاع قيمة حقوق البث، ووصول الأمر أحيانا إلى احتكار بعض المباريات. ففي سنة 2000، كاد المغرب أن يُحرم من نقل بعض المباريات، وتكرر الأمر سنة 2004، حيث تم بث المباريات باللغة الفرنسية فقط، ما يؤكد المكانة الكبيرة التي باتت تحظى بها هذه البطولة".

وشدد منصف اليازغي في تصرحيه لـ"اقتصادكم"، على أنه من المنتظر أن يزداد إشعاع كأس إفريقيا مع تنظيمها بالمغرب في ظروف وصفها "بالمونديالية"، حيث ستُجرى لأول مرة في تسعة ملاعب، كما أن مباريات دور الثمن ستُلعب في ملاعب مستقلة، وهو أمر غير مسبوق، إلى جانب البنية التحتية الرياضية المتطورة التي أبدع المغرب في إنجازها، ما سيمنح هذه المنافسة القارية بعدا عالميا مميزا.

إنجازات الكرة المغربية لا تشفع للمنتخب بالتتويج بكأس إفريقيا

وبخصوص كيفية الاستفادة من النهضة الكروية الحالية للتتويج  باللقب، وكذا جيل رياضي متشبع بثقافة التتويج والدفع والنهوض بالسياسات الرياضية لتوازي حجم الطموحات، يقول منصف اليازغي، " إن التظاهرات الرياضية التي تُجرى في أي بلد تُعد وسيلة للدفع بالرياضة وتجاوز صعوباتها، بدليل أن عدة دول ارتكزت على تنظيم هذه التظاهرات من أجل تحفيز المواطنين على الممارسة، وأيضاً الرفع من عدد الممارسين. وهذا ما لاحظناه في عدة محطات، ويكفي أن نذكر 1998 و2002، إضافة إلى التجربة العالمية للولايات المتحدة سنة 1994، وكذلك كوريا واليابان سنة 2002. إذن، فالتظاهرات الرياضية في حد ذاتها وسيلة للرفع من أداء وقيمة الممارسة في ذلك البلد".

وأفاد المتحدث ذاته، "على الصعيد المغربي، نحن ننتظر أن تكون هذه الكأس وهذه الأجواء محفّزة لرفع عدد الممارسين بالمغرب، وهذا هو مغزاها الأساسي المغرب، منذ سنوات، كانت تسود لديه القناعة بأن الأهم هو المشاركة، وأن بلوغ النهائيات شرف في حد ذاته، وأن الخروج في نصف النهائي أو النهائي هو إنجاز، كما حصل في عدة دورات سواء على مستوى الكبار أو الصغار. اليوم، نحن أمام توجه آخر يزن الأمور على ميزان الألقاب، وليس فقط بالمشاركة".

وأوضح، "كمقارنة بسيطة، في الوقت الذي كنا نخسر فيه أمام غينيا في فئة أقل من 20 سنة هنا بالمغرب بأربعة أهداف لصفر قبل حوالي 20 أو 25 سنة، أصبحنا اليوم نتوج أبطالا للعالم إذن، هناك عمل أنجز، ويجب أن نعترف به وندقق فيه".

وأشار، "اليوم، في المغرب، الكل يريد جميع الألقاب، نظراً لتحسن النتائج، وأيضاً لأن شهية المغاربة أصبحت مفتوحة بالنظر إلى الإمكانيات والاستثمارات المرصودة. لكن رغبتنا في التتويج وحصد الألقاب لا يجب أن تُنسينا ضرورة وضع أقدامنا على الأرض".

ولفت المتحدث، مصرف الأموال والقيام باستثمارات، وتحقيق المركز الرابع في قطر، والثالث في الأولمبياد، والأول في فئة أقل من 20 سنة، لا يعني أنك أصبحت قادرا على الفوز بجميع الألقاب. هذا المنطق لا يستقيم، لأن كرة القدم، منذ أكثر من قرن، لم تسجل في تاريخها بلدا توج بجميع البطولات على مستوى جميع الفئات".

وتابع اليازغي، "حتى الدول الكبرى التي نظمت تظاهرات عالمية خسرتها فوق أرضها، كما هو الحال بالنسبة لألمانيا سنة 2006، والبرازيل سنة 2014. وهي دول كروية، ورغم ذلك لم تتوج.
وبالتالي، إذا كنا نؤمن اليوم بثقافة الانتصار التي أصبحت متجذرة في المغرب، وثقافة الألقاب التي باتت سائدة، فلا يجب أن ننسى أن كرة القدم تحتمل جميع النتائج والمفاجآت.
فحتى لو نظمت كأس إفريقيا بالمغرب، ومع وجود منتخب قوي، لا يمكن الجزم بأن المغرب سيفوز بها. نأمل ذلك، لكنه غير مضمون. والدليل على ذلك ما عشناه في دورات سابقة؛ ففي مصر، كان المغرب أفضل منتخب خلال 25 سنة الأخيرة، ورغم ذلك خرج أمام بنين بتفاصيل صغيرة جداً. ونفس الأمر تكرر بعد إنجاز كأس العالم، حيث خرجنا أمام جنوب إفريقيا. إذن، أي تفاصيل قد تمنعك من التتويج، وهذا لا يعني أن سياستنا فاشلة أو مرتبكة، بل يعني أن لدينا سياسة كروية تشتغل، وأن الإقصاء أو الفشل أحياناً أمر طبيعي في كرة القدم".