اقتصادكم
من يدرك أن اسمه ورقم هاتفه وعنوان بريده الإلكتروني يساوي مبلغا من المال، لا يحصل منه شيئا، ومن يدري أن معطياته الخاصة تباع وتشترى عشرات المرات يوميا دون علمه. الجواب سيكون غالبا بالنفي، فالوعي بأهمية حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ما زال ضعيفا بالمغرب، رغم وجود لجنة وطنية خاصة، نشاطها مؤطر بالقانون رقم 08- 09، المتعلق بحماية المعطيات الشخصية. عشرات شركات التواصل الإلكتروني "الإيميلينغ"، تتاجر في قواعد البيانات يوميا، لفائدة مواقع التسويق التجاري ومراكز التسوق وغيرهم من الزبناء، فيفاجأ المرء مثلا، برسالة نصية من مصدر مجهول، تدعوه للتعرف على خدمة أو اكتشاف منتوج، أو برسالة على بريده الإلكتروني للغاية نفسها، أو تنتهك حياته الخاصة بجهاز لتسجيل الدخول "بوانتاج" أو كاميرا مراقبة موجهة إليه.
"ثقافة حماية المعطيات الشخصية جديدة على المغاربة، ويلزم حيز زمني مهم لترسيخها"، يؤكد متخصصون، وهو الأمر الذي تعكسه آراء الشارع، فاستطلاع بسيط أجرته "اقتصادكم" على عينة من عشرة أشخاص، من مستويات تعليمية وأعمار مختلفة، أظهر جهلا بأهمية المعطيات الشخصية وسبل حمايتها، بل وحتى بوجود إطار تشريعي يقنن استخدام هذه المعطيات ويرتب جزاءات على سوء استغلالها. يحكي حسن، موظف، كيف يضطر يوميا إلى إفراغ بريده الإلكتروني من عشرات الرسائل، مجهولة المصدر، التي يتلقاها يوميا، معبرا عن انزعاجه من استغلال عنوان بريده، بل وحتى اسمه، إذ يتلقى رسائل موجهة إليه شخصيا، مضمونها ترويجي وتسويقي لأنواع مختلفة من السلع والمنتوجات الاستهلاكية والخدمات.
حالة حسن، تفترض بالضرورة منه رد فعل لحماية معطياته الشخصية، وهنا يتحدث الحسين عن مجموعة من الخيارات، تهم رفع شكوى في الموضوع إلى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، عبر موقعها على الأنترنت أو عن طريق الفاكس أو الهاتف، إذ تقوم بمراسلة المشتكى عليه وتندر المسؤول عن معالجة المعطيات، حول ضرورة تصحيح وضعيته القانونية، غير أن تقديم الشكاوى عبر القنوات المذكورة، ليس متاحا دائما لجميع الناس، وهو الإكراه الذي اعترف بوجوده مسؤولون باللجنة، مؤكدين أن شرائح مجتمعية معينة لا تتقن القراءة أو الكتابة، إذ تم أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار ضمن تصور عام لرفع الوعي بأهمية حماية المعطيات الشخصية، يمر عبر خطوات تدريجية تستهدف عموم المواطنين في النهاية، علما أن الشكايات المكتوبة تمثل قرينة لدى لجنة حماية المعطيات الشخصية، في مراسلتها للمشتكى بهم من مسؤولين عن معالجة المعطيات الخاصة.
وتتركز أغلب الشكايات وزيارات المراقبة الميدانية، التي تنجزها اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي (CNDP)، حول سوء استخدام كاميرات المراقبة، علما أن هناك إطار تشريعي يقنن استخدامها في الأماكن العامة، يستهدف تأمين الممتلكات والأشخاص العاملين في المقاولة، وهذه الغاية لا تخول المشغل تثبيت كاميرا موجهة نحو الأجير بشكل خاص، إذ يسمح بتثبيتها في مداخل ومخارج المقاولة وبعض الفضاءات الإستراتيجية، بما يضمن تحقيق الغاية المذكورة واحترام خصوصية الأفراد، ذلك أن اللجنة تستهدف في معالجتها لمختلف الحالات التي نتوصل بشكايات بخصوصها، تحقيق التوازن بين طرفي النزاع.
معطيات خاصة للبيع بثلاثة سنتيمات
اهتدت الشركات والمقاولات في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، إلى وسيلة تواصلية وتسويقية أكثر نجاعة وبكلفة أقل، يتعلق الأمر بالرسائل النصية "الميساجات" التي تضمن بلوغ 90 % من الزبناء، إذ يستغرق صياغة رسالة من هذا النوع فترة زمنية لا تتعدى ست دقائق، ليقرأ الزبون محتواها بعد ذلك في غضون خمس دقائق، وهو الأمر الذي خلق سوقا بملايين الدراهم خارج القانون، يرتكز نشاطه على تسويق المعطيات الشخصية، من أسماء وأرقام هاتفية، وكذا عناوين عادية وإلكترونية تعود إلى خواص ومهنيين، لفائدة الزبناء من المقاولات، مقابل سعر لا يتجاوز ثلاثة سنتيمات.
ورصدت اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، من خلال عمليات مراقبة دائمة، خروقات في الاستقراء التجاري، خصوصا من قبل فاعلي قطاع الاتصالات، في ما يتعلق بشرعية قاعدة البيانات المستعملة، وموافقة الأشخاص المستهدفين بالاستقراء على التوصل بالرسائل النصية الإشهارية، وإخبار الأشخاص عند تجميع معطياتهم، وكذا حق الأشخاص في التعرض على التوصل بالرسائل الإشهارية، إذ أظهرت المعطيات الأخيرة استحواذ الشكايات حول الرسائل النصية غير المرغوب فيها، على نسبة 60 % من إجمالي الشكايات المتوصل بها من قبل اللجنة المذكورة.