هل تتحول الرياضة بالمغرب إلى رافعة للتنمية الترابية؟

ملفات خاصة - 04-12-2025

هل تتحول الرياضة بالمغرب إلى رافعة للتنمية الترابية؟

اقتصادكم - أسامة الداودي

 
يعرف المغرب نقاشا متصاعدا حول دور الرياضة، ولا سيما الماراثونات والبنيات الرياضية المحلية، في دفع التنمية الترابية وخلق فرص الشغل. 

ويتقاطع هذا النقاش مع إشكالات الحكامة، العدالة المجالية، واللامركزية الرياضية، مما يفتح أسئلة جوهرية حول فعالية السياسات الحالية.

وكشف الدكتور في علوم وتقنيات الأنشطة البدنية والرياضية، والمتخصص في السياسات العمومية الرياضية وحكامة الرياضة، مروان سيمو، في حوار مع "اقتصادكم"، أن الرياضة يمكن أن تتحول إلى رافعة تنموية حقيقية في حال خروجها من منطق الحدث المناسباتي نحو إدماجها في مشروع ترابي شامل.

وفي ما يلي نص الحوار كاملاً:

إلى أي حد يمكن للرياضة، وخاصة تنظيم تظاهرات مثل الماراثونات وسباقات الجري، أن تساهم فعليًا في التنمية الترابية وخلق فرص الشغل داخل المدن المغربية، بعيدًا عن بعدها الترويجي؟

أعتقد أن للرياضة، وبشكل خاص الماراثونات وسباقات الجري، إمكانات حقيقية للمساهمة في التنمية الترابية وخلق فرص الشغل، لكن ذلك يظل رهينًا بشرطين أساسيين: تجاوز منطق الحدث المناسباتي ذي الطابع الترويجي المحدود، وإدماج هذه التظاهرات داخل رؤية ترابية أشمل وأكثر استدامة.
وقد بيّنتُ في أطروحتي حول "رياضة القرب" أن السياسات التي تركز على الصورة والتواصل تمنح المدن مظهرا ديناميكيًا وجذّابًا، لكنها لا تُحدث بالضرورة أثرًا بنيويًا في مسارات السكان الاجتماعية والاقتصادية. فالمدينة قد تبدو نشيطة ليوم واحد، لكن هذه الحيوية لا تتحول تلقائيًا إلى تنمية حقيقية ما لم ترتبط بتصور متكامل.
في المقابل، يمكن للماراثونات أن تتحول إلى رافعة هيكلية عندما تُدرج ضمن “اقتصاد الرفاهwelfare economics ، بما يشمله من الإيواء والمطاعم والنقل والخدمات الرياضية والسياحة الثقافية والطبيعية. ويتعزز هذا الدور عندما يُفسح المجال أمام الفاعلين المحليين الجمعيات، والمقاولات الصغرى، والمرشدين، وشركات النقل، ومؤسسات الإيواء، ليصبح الحدث مناسبة لتحريك اقتصاد بأكمله بدل أن يكون مجرد نشاط عابر.
وعلى المستوى العملي، تخلق هذه التظاهرات وظائف مباشرة في التنظيم والأمن واللوجستيك والتواصل، ووظائف غير مباشرة في السياحة والتجارة والفندقة. لكن القيمة الحقيقية تظهر عندما ننتقل من تنظيم حدث “يتيم” إلى بناء استمرارية: تكوين الشباب في مهن تنظيم الفعاليات، وضع برنامج سنوي متنوع، وربط هذه الأحداث بالرياضة المحلية عبر الأندية ومدارس الجري.
هذا التوتر بين الخطاب التنموي المصاحب للرياضة وبين أثرها الفعلي على المسارات الترابية هو أحد المحاور الأساسية التي تناولتها في أطروحتي. ومع ذلك، يظل التفاؤل ممكنًا، لأن المغرب يتوفر على رأسمال بشري شاب ومبدع، إضافة إلى مؤهلات طبيعية وثقافية فريدة. 
وتجارب مدن مثل مراكش وأكادير والصويرة وإفران تُظهر أن الربط الجيد بين الرياضة والسياحة والطبيعة والثقافة قادر على خلق منظومات اقتصادية فعّالة على مدار السنة.


تستثمر عدة جهات في المغرب في البنيات الرياضية بهدف جذب السياحة الرياضية. ما الشروط التي تجعل هذه الاستثمارات تتحول إلى مردود اقتصادي فعلي على المستوى الترابي؟

الاستثمار في البنيات الرياضية، مهما كان حجمه، لا يضمن تلقائيًا تحقيق مردود اقتصادي. فالقيمة الحقيقية تُستمد من طريقة إدماج هذه المنشآت داخل النسق الترابي، وليس من عملية البناء في حد ذاتها.
من خلال أبحاثي، يتبين أن نجاح هذه المنشآت يرتبط بثلاثة شروط أساسية.
الشرط الأول هو الارتكاز الترابي الحقيقي، أي أن تُصمم المنشأة كي تخدم السكان المحليين، والأندية، والمدارس، وجمعيات الأحياء، وليس فقط الأحداث الكبرى أو الزوار من خارج المدينة. هذا التوازن بين القرب والجاذبية هو ما يمنع تحوّل هذه المنشآت إلى “فيلة بيضاء”.
الشرط الثاني يتعلق بنموذج الحكامة والتدبير، فقد لاحظت أن تشتت الصلاحيات بين الدولة والجهات والجماعات والجامعات والوكالات والقطاع الخاص يخلق مناطق رمادية تعيق الفعالية: من يُقرر؟ من يُمول؟ من يُدبّر؟ لذلك، يصبح اعتماد نماذج مستقرة للتدبير ضرورة ملحة، سواء عبر اتفاقيات واضحة، أو تفويضات خدمات، أو شراكات عمومية–خاصة مصممة بعناية، إضافة إلى آليات للمساءلة المحلية.
أما الشرط الثالث فهو إدماج المنشأة الرياضية داخل عرض اقتصادي وسياحي متكامل. فالمنشأة لا تعمل في عزلة؛ بل تحتاج إلى منظومة تشمل الولوجية والنقل، والإيواء، والتسويق الترابي، والهوية المحلية، والتواصل الرقمي، وإشراك الفاعلين الاقتصاديين. منشأة رياضية جيدة البناء، لكنها معزولة عن هذا النسق، سيكون أثرها على التشغيل والمداخيل محدودًا جدًا.
وباختصار، البناء هو الخطوة الأولى، لكن الفارق الحقيقي يصنعه التدبير والقدرة على تحويل المنشآت إلى محركات للنشاط الاقتصادي.

تعاني العديد من المناطق الهامشية ضعف الولوج إلى الرياضة. إلى أي حد يمكن للسياسات الحالية تقليص هذه الفوارق؟ وما الإصلاحات الأكثر إلحاحًا لتحقيق عدالة رياضية حقيقية؟

تظهر أبحاثي وجود فوارق حادة بين الوسطين الحضري والقروي، وبين المركز والهامش. وقد حمل برنامج “الرياضة القريبة” آمالًا كبيرة، لكنه أعاد في بعض الحالات إنتاج منطق الانتقاء السياسي بدل الاستجابة للحاجات الفعلية.
وتشير التجارب الميدانية إلى أن تقليص الفوارق يتطلب ثلاثة تغييرات جوهرية.
أولها الانتقال إلى منطق العدالة المكانية، بحيث تُختار مواقع التجهيزات بناءً على مؤشرات موضوعية مثل كثافة الشباب، وغياب العرض الرياضي، والهشاشة الاجتماعية، وليس وفق اعتبارات سياسية.
التغيير الثاني هو تثبيت التمويلات والخروج من منطق التدبير الترقيعي، فالعديد من التجهيزات تُبنى دون ميزانيات قارة للتسيير، مما يجعل أثرها ضعيفًا وغير مستدام. العدالة الترابية تقتضي وضع آليات وطنية وجهوية تأخذ بعين الاعتبار ضعف قدرات بعض الجماعات على التدبير.
أما التغيير الثالث فيتمثل في الاعتراف الحقيقي بالفاعلين المحليين أي الجمعيات والاستفادة من قربهم من السكان، فحين يُشرك هؤلاء في التخطيط والتدبير، تصبح التجهيزات أكثر قدرة على خدمة الفئات التي تكون غالبًا أبعد ما يكون عن الممارسة الرياضية.
وينتج عن ذلك مجموعة إصلاحات مستعجلة، منها تحديد موقع “الرياضة” ضمن سياسات الشباب والصحة والتعليم، ووضع عقود ثلاثية بين الدولة والجهات والجماعات، موجهة خصوصًا نحو المناطق الهشة، إضافة إلى تعزيز قدرات الجماعات من خلال تكوين أطر في هندسة المشاريع الرياضية.
ورغم التفاوتات، تُظهر ديناميات الأحياء الهامشية والقرى قدرة الشباب على تحويل الفضاءات الرياضية إلى فضاءات للتعلم والاندماج والابتكار، ما يعني أن الأسس موجودة بالفعل، وما نحتاجه اليوم هو تقوية ما يشتغل وتصحيح ما يظل مقصيًا لضمان عدالة رياضية شاملة.

يدور نقاش واسع حول دور الجهات والجماعات الترابية في تطوير الرياضة. هل يمكن لنقل مزيد من الاختصاصات إلى المستوى الترابي أن يُنتج نموذجًا أكثر فعالية، أم أنه قد يفاقم الفوارق بين المدن؟

تُظهر أبحاثي أن المغرب يعيش اليوم نموذجًا هجينًا أسميته “النموذج التوجيهي-النيوليبرالي للدولة”، حيث تحتفظ الدولة بسقف التوجيه الوطني، بينما تفوض التنفيذ للهيئات الترابية والجامعات والقطاع الخاص. 
وفي هذا السياق، لا يتعلق السؤال بمدى نقل الصلاحيات، بل بكيفية نقلها وبالوسائل المتاحة لتفعيلها.
يمكن للامركزية المدروسة أن تُحدث فرقا حقيقيًا، لأنها تتيح فهمًا أدق للحاجيات المحلية، وتقرب مسافة القرار من الفاعلين، وتُسهل التواصل المباشر مع الجمعيات والمجتمع المدني، كما تمنح للجماعات مرونة أكبر في التدبير والتفاعل مع خصوصيات كل تراب. 
غير أن غياب الموارد والتمويل والمواكبة المؤسسية قد يجعل هذه اللامركزية نفسها عاملاً لإعادة إنتاج الفوارق، فننتقل إلى “مغرب بسرعتين”: جهات قادرة على الابتكار والتجديد، وأخرى تجد نفسها عاجزة عن مواكبة المسارات التنموية، مهما كانت النوايا الإصلاحية مُعلنة.
ولكي تكون اللامركزية رافعة لا مصدرا جديدًا للفوارق، يجب الانطلاق من مجموعة شروط أساسية، أولها توضيح خريطة الاختصاصات والإجابة بدقة عن أسئلة من يخطط؟ من يمول؟ ومن يدبّر؟ لأن غياب هذا الوضوح يُفقد الإصلاح فعاليته. 
وثانيها وضع آليات للتضامن بين الجهات ذات الموارد العالية وتلك التي تعاني هشاشة مالية.
وثالثها الاستثمار في رفع قدرات الجماعات عبر التكوين في مجالات الهندسة والتخطيط والتقييم، لتمكينها من ممارسة الصلاحيات الجديدة بجودة وكفاءة.
ويبقى نجاح هذا الورش رهينًا بترسيخ ثقافة حكامة مشتركة تجمع الدولة والفاعلين الترابيين والمجتمع المدني داخل رؤية واحدة، تُنظّم الأدوار وتضمن تكاملها بدل تداخلها أو تنازعها. 
فاللامركزية ليست وصفة جاهزة ولا خطرًا قائمًا بذاته؛ إنها اختيار في نمط الحكم يقوم على بناء حكامة متعددة المستويات، تحتفظ فيها الدولة بدور الضابط والمنسّق، ويُمنح فيها التراب هامشًا حقيقيًا للابتكار واتخاذ القرار. 
وهذا ما تُؤكده خلاصات أبحاثي حول مستقبل السياسات الرياضية والتنموية في المغرب.