هل يكفي الإعفاء الضريبي لتحفيز الاستثمار الرياضي في المقاولات؟

ملفات خاصة - 12-11-2025

هل يكفي الإعفاء الضريبي لتحفيز الاستثمار الرياضي في المقاولات؟

اقتصادكم - أسامة الداودي


يشمل مشروع قانون المالية لسنة 2026 إعفاء ضريبيًا كاملا للشركات الرياضية لمدة خمس سنوات، مع تخفيض تدريجي للضرائب على الرياضيين والطاقم التقني، بهدف تحفيز الاستثمار وتعزيز الاستقلالية المالية للأندية الوطنية.

وفي حوار مع "اقتصادكم"، أكد محمد باباخويا، المتخصص في الإدارة الرياضية والاقتصاد الرياضي، أن هذه الحوافز الضريبية تمثل خطوة مهمة، لكنها لن تكون كافية بمفردها، إذ تتطلب بيئة مؤسسية متكاملة، وحوكمة قوية، وبنية تحتية متطورة لضمان استدامة الاستثمار الرياضي.

وفي ما يلي نص الحوار:


ما مدى فعالية هذا النوع من الحوافز الضريبية في تحفيز الاستثمار في القطاع الرياضي المقاولاتي؟


يتوافق هذا مع القيود التنظيمية التي تفرضها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على الفرق الوطنية وفقًا للقانون رقم 30-09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، والذي يلزم جمعيات كرة القدم الاحترافية بإنشاء شركات رياضية تابعة لإدارة النشاط الاحترافي. 

ويأتي هذا المشروع في وقت يسعى فيه المغرب لتسريع التحضيرات لاستضافة كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، لضمان استقلالية الفرق الوطنية ماليًا وعدم الاعتماد فقط على الدعم والإيرادات التقليدية، بل تنويعها من خلال هيكل واستراتيجية منظمة.

بعد إعلان نادي الرجاء الرياضي والمغرب الفاسي، خلال جمعياتهما العامة السنوية، عن تحولها الرسمي لأول مرة في تاريخ الرياضة الوطنية إلى شركات رياضية بعد توقيع اتفاقيات مع مستثمرين نشطين لضمان الاستقرار المالي وهيكل واضح للفريقين، ظهر جليًا أن الحكومة تسعى، من خلال هذا الإعفاء الضريبي الجديد، لمواكبة هذا التحول التشريعي بتقديم مزايا مالية تفتح الباب أمام مستثمرين جدد لدخول السوق الوطني للرياضة وتحسين جودة إدارة الفرق.

وتشير التحليلات المالية إلى أن الشركات الرياضية ستُعفى من الضرائب لمدة خمس سنوات متتالية اعتبارًا من أول عملية بيع خاضعة للضريبة، كما يمكنها خصم التبرعات التي تقدمها بنسبة تصل إلى 10% من صافي الأرباح، دون تجاوز خمسة ملايين درهم سنويًا. 

الهدف هو خلق بيئة محفزة للقطاع الرياضي من خلال تقليل العبء الضريبي وتشجيع ضخ رؤوس الأموال في الأندية الرياضية والرياضات الاحترافية، خصوصًا أن التحول إلى شركات رياضية يتطلب وجود رأس مال قانوني وهيكل إداري مؤسسي، وهو ما يتطلب موارد مالية كبيرة.

ويُعطي الإعفاء الضريبي للأندية هامش مناورة خلال السنوات الأولى من الانتقال، حيث يتعين على هذه الكيانات تحقيق توازن بين البعد الرياضي والاجتماعي من جهة، والبعد الاقتصادي من جهة أخرى. 

لكن في المقابل، لا تكفي هذه المزايا إذا لم ترافقها حوكمة مالية صارمة، وآليات رقابية واضحة، وتعزيز البنية التحتية والوسائل اللوجستية لضمان الشفافية في إدارة التمويلات والإيرادات، بالإضافة إلى الموارد البشرية المؤهلة لذلك.

هل الإعفاء وحده كاف أم يلزم دعم هيكلي (بنية تحتية، حوكمة، تسويق رياضي)؟

على الرغم من أن الإعفاء الضريبي الممنوح للأندية الرياضية من قبل الحكومة ضمن قانون المالية لسنة 2026 يمثل خطوة إيجابية تمنحها "استراحة مالية" وتخفف العبء المالي المباشر، مما يسمح لها، من الناحية النظرية، بإعادة استثمار هذه الأموال في تحسين البنية أو الرواتب أو أعمال الصيانة العاجلة، إلا أن هذه الخطوة تبقى غير كافية بحد ذاتها ومحدودة التأثير إذا لم تصحبها إصلاحات هيكلية شاملة.

يكمن جوهر أزمة الرياضة المغربية في مشكلات هيكلية عميقة تتعلق بالبنية التحتية، الحوكمة، والتسويق، حيث أن موجة الإعفاءات الضريبية، كونها حلًا سطحيًا، لا يمكنها حل هذه المشاكل بمفردها. 

في مجال الحوكمة، تظل مشاكل نقص الاحترافية، الغموض المالي، والمحسوبية بمثابة "سرطان" يهدد الرياضة الوطنية. 

غياب الاستراتيجيين والمحاسبين المعتمدين والمتخصصين في التسويق داخل هياكل الأندية يجعلها أشبه بسفن بلا قائد.

وفي هذا السياق، قد يتحول الإعفاء الضريبي إلى مورد إضافي يُستخدم لسد العجز اليومي أو يُصرف على تعويضات اللاعبين فقط، دون استثمار في إنشاء قسم نسائي، أو أكاديمية للشباب، أو تطوير الرياضات الأقل شعبية، ما يؤدي إلى ضياع فرصة كبيرة.

أما فيما يخص البنية التحتية، فالوضع ليس أفضل: العديد من الملاعب تتحول إلى "مستنقعات غبارية" في الصيف، ومعظم الأندية تفتقر إلى قاعات متعددة الاستخدامات، مراكز طبية، أو مرافق إقامة حديثة للاعبين. الإعفاءات الضريبية قد تساعد في صيانة السياج أو إعادة طلاء المقاعد، لكنها لا تكفي لبناء ملاعب مجهزة بنظام ري حديث أو مراكز تدريب بأحدث التقنيات. 

ويصبح من الضروري إنشاء شراكات مبتكرة بين القطاعين العام والخاص، حيث يمكن للدولة توفير الأراضي، فيما يقوم المستثمر بإنشاء مجمع رياضي متكامل يُستغل تجاريًا لمصلحة الطرفين.

أما التسويق الرياضي، فيعد الحلقة الأضعف، حيث لا تمتلك معظم الأندية استراتيجية لتسويق علامتها التجارية خارج نطاق المنافسة المحلية، وإدارة الحقوق التجارية، سواء لبيع الإعلانات على القمصان أو حقوق البث التلفزيوني، تظل عشوائية. 

ومن المؤسف أيضًا تجاهل تسويق المنتجات المشتقة مثل القمصان والشعارات، ما يحرم الأندية من مصدر دخل مهم يمكن توظيفه لتطوير أنشطتها. 

الإعفاء الضريبي يحافظ على الأموال الحالية، لكن التسويق الاحترافي وحده قادر على خلق تدفق مستمر من الموارد المالية الجديدة.

لذلك، يعتمد النجاح الحقيقي لهذه المبادرة على دمج الإعفاء ضمن "حزمة إصلاحات شاملة"، تجعل منه مجرد "وقود" لمحرك أقوى. يجب أن يُشترط تطبيق معايير الحوكمة الجيدة، ويُرافق البرنامج الوطني لبناء البنية التحتية، مع حملات تدريبية على مهارات التسويق والإدارة الرياضية، ليتمكن الأندية من التحول من كيانات هشة تعتمد على المساعدات إلى مشاريع اقتصادية واجتماعية مستدامة، قادرة على المنافسة والازدهار حتى بعد انتهاء فترة الإعفاء الخمس سنوات.


ما المخاطر، مثل تحول الأندية إلى شركات بدون خطة تجارية واضحة، أو التفاوت بين الأندية الكبيرة والصغيرة؟

سياسة الإعفاء الضريبي للأندية المغربية خطوة مهمة قد تحقق القفزة النوعية المنشودة، لكنها تحمل مخاطر وجودية قد تفاقم الأزمات الهيكلية الحالية إذا لم تُصاحب بضوابط صارمة للحوكمة. 

أكبر هذه التحديات يكمن في "الانتقال السطحي نحو الاحترافية" بدون خطة استراتيجية حقيقية، حيث قد تتحول الأندية إلى كيانات تجارية في ظاهرها فقط، مستهلكة موارد الإعفاء في سباق مالي غير محسوب لشراء اللاعبين وزيادة الرواتب، مما يخلق فقاعة مالية تهدد استمراريتها بعد انتهاء الإعفاء.

ومن المخاطر الأخرى توسيع الفجوة بين الأندية الكبيرة والصغيرة، فالأندية الكبرى ذات الجماهير والممولين الواسعين ستستفيد من الإعفاء لتعزيز هيمنتها وجذب أفضل اللاعبين، بينما الأندية الصغيرة والمتوسطة، رغم الإعفاء، لن تتمكن من المنافسة، ما يهدد تنوع المنافسة ويخالف روح التنمية الرياضية الشاملة.

كما أن غياب الشفافية والرقابة يزيد من خطر تحويل هذه الأموال العامة إلى قنوات فساد وهدر، في ظل غياب خطط عمل واضحة ومحاسبة للمديرين.

وأخيرًا، التركيز شبه الحصري على كرة القدم على حساب الرياضات الأخرى قد يزيد من اختلال النظام الرياضي بأكمله. 

لذلك، يعتمد نجاح هذه السياسة على تحويل الإعفاء المالي إلى "مشروع إصلاح متكامل"، يطبق معايير الحوكمة الجيدة، ويضع آليات تضامن بين الأندية، ويوجه الاستثمار نحو البنية التحتية، التسويق، والرياضات المهمشة، لضمان أن تتحول هذه الفرصة إلى قفزة نوعية شاملة تعود بالنفع على جميع مكونات الرياضة المغربية.