الجيل الخامس في المغرب.. ثورة مؤجلة بسبب اختلالات بنيوية

اتصالات و تكنولوجيا - 12-12-2025

الجيل الخامس في المغرب.. ثورة مؤجلة بسبب اختلالات بنيوية

اقتصادكم

 

دخل المغرب مرحلة جديدة مع انتشار شبكة الجيل الخامس (5G)، حيث يحمل هذا التقدم وعودا كبيرة للاقتصاد الوطني، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن اختلالات بنيوية تتطلب إصلاحات عميقة، أبرزها الأمن السيبراني وتمويل البنى التحتية، ومعالجة الفجوة الرقمية وتحيين الإطار القانوني.

ووفق عدد من الخبراء، فإن تأثير هذه التكنولوجيا سيظل محدوداً ما لم تعالَج أولا الإشكالات الهيكلية التي يعاني منها قطاع الاتصالات.

ويرى خالد الزياني، الخبير في مجال الاتصالات، أن التأثير الأكبر والأسرع للجيل الخامس سيظهر في كل القطاعات المرتبطة بإنترنت الأشياء (IoT). فبفضل الانخفاض الكبير في زمن الاستجابة، ستستفيد منه:

الصناعة: قيادة خطوط الإنتاج في الزمن الحقيقي.
اللوجستيك الذكي: تتبع وتحريك السلع بدون تأخير.
الفلاحة: تدبير المياه والأسمدة بشكل أوتوماتيكي ودقيق.
الصحة: جعل التطبيب عن بعد قابلاً للتطبيق على نطاق واسع.

وقال الزياني: «الجيل الخامس ليس مجرد شبكة أسرع، بل هو بيئة جديدة تتفاعل فيها الآلات والذكاء الاصطناعي بشكل مستمر»، ورغم توفر المغرب على كفاءات قوية ومؤسسات مثل المديرية العامة لأمن نظم المعلومات (DGSSI)، إلا أن الإطار القانوني لا يزال غير واضح بما يكفي.

ويحذر الزياني من أن البنى التحتية الأساسية مثل الشبكات الوطنية العمودية (backbones) وأنظمة مصادقة شرائح الاتصال تُعد أهدافاً استراتيجية، وقد تؤدي أي ثغرة فيها إلى تأثير على المستوى الوطني بأكمله، كما أكد أن الوقت قد حان للاعتراف بالإنترنت كحق دستوري، لأنه أصبح بوابة للمعرفة، وللعمل، وللخدمات الصحية والإدارية، مضيفا «من دون إنترنت، يصبح المواطن معطلاً في كل المجالات. إذا تحول إلى حق، تصبح الدولة ملزمة بتمويل البنيات التحتية، خصوصاً في العالم القروي».

ويعتبر الزياني أن تقنية Direct-to-Cell ستكون التحول الأكبر مستقبلاً، حيث ستسمح الهواتف بالاتصال مباشرة بالأقمار الصناعية مثل Starlink وOneWeb دون الحاجة لمحطات أرضية.

ويشبّه هذا التحول بـ“ثورة الصحون اللاقطة” في التسعينيات، محذراً من أن شركات الاتصالات قد تفقد جزءاً من مداخيلها إذا لم تتكيف بسرعة مع هذا الواقع الجديد.

ويرى الزياني أن بلوغ 70 إلى 85% من التغطية السكانية ممكن، لأن التركيز سيكون على المدن الكبرى، لكن التحدي الحقيقي يكمن في التغطية الترابية، حيث تبقى المناطق قليلة الكثافة الحلقة الأضعف في الشبكة.

ولتحقيق تقدم فعلي، يقترح ثلاث إجراءات أساسية أولها إدماج فاعلين متخصصين في البنى التحتية، وتفويض جزء من القرار إلى الجهات، والرفع من ميزانية صندوق الخدمة الشمولية التي تعتبر حالياً غير كافية.

وما يزال يعيش أكثر من 40% من التراب الوطني  في “مناطق بيضاء” أو “رمادية” لا تتوفر فيها سوى شبكات 2G أو 3G ضعيفة. ويرى الزياني أن أي نشر للجيل الخامس دون إصلاح هذا الخلل سيخلق فجوة اجتماعية موازية للفجوة الرقمية. ويؤكد أن الحل هو اعتماد خطة وطنية واضحة للإنترنت عالي السرعة، تعطي الأولوية للمناطق المهمشة قبل الحواضر الكبرى.

وبما أن أغلب المستعملين يعتمدون على البطاقات مسبقة الدفع، فإن الانتقال إلى 5G قد يرفع الكلفة ما لم تُراجع عروض البيانات. فمع السرعة العالية، تختلف طريقة استهلاك التطبيقات للمعطيات، وقد يشعر المستخدمون بأن 5G “تستهلك أكثر”، رغم أن الأمر يتعلق فقط بزيادة حجم البيانات المتداولة.

ويؤكد الزياني أنه كان من الضروري مضاعفة حجم البيانات المضمّنة في بطاقات التعبئة (20، 30، 50 و100 درهم)، وإلا سيصبح الاستعمال اليومي أكثر تكلفة، مشددا على أن المغرب يحتاج إلى فاعل محايد في البنى التحتية على غرار التجارب الدولية. فالمشاركة الكاملة في البنية التحتية يمكن أن تخفض الاستثمارات إلى النصف أو حتى الثلث إذا شاركت جميع الشركات. ويرى أن غياب هذه الآلية يجعل كلفة الشبكات مرتفعة، وبالتالي يتحمل المستهلك جزءاً من العبء.