اقتصادكم
في الوقت الذي باتت فيه الملاعب الرياضية في عدد من دول العالم نماذج ناجحة للاستثمار الرياضي والاقتصادي، لا تزال كثير من المنشآت الرياضية بالمغرب تواجه تحديات في التحول إلى فضاءات ذات مردودية حقيقية. فالجودة المعمارية وحدها لا تكفي، بل إن النجاح يرتبط أساسا بكفاءة الحكامة، وفعالية التسويق، ومرونة النموذج الإداري.
حكامة وتسويق
وفي هذا السياق، أوضح علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، في ورقة تنفيذية شاركها مع موقع "اقتصادكم"، أن اعتماد آليات فعالة في الحكامة والتسويق الرياضي يعد شرطا جوهريا لتحويل الملاعب المغربية إلى مراكز ذات مردودية واستدامة.
وأضاف أن "المرافق الرياضية مهما بلغت جودتها تظل عرضة للفشل إذا لم تخضع لمنظومة تدبير احترافي تراعي مبادئ النجاعة، والشفافية، والاستباقية".
وأشار الغنبوري إلى أن التسويق الرياضي أصبح اليوم عنصرا أساسيا في خلق القيمة التجارية والاقتصادية لأي منشأة رياضية، ما يستدعي تفعيل مجموعة من الآليات المركزية لتحقيق هذا التحول.
هيئات تدبير مستقلة
وأورد الغنبوري أن من بين الأولويات، إحداث هيئات مستقلة أو شركات جهوية لتدبير الملاعب الكبرى، على أن تعمل وفق منطق التدبير المفوض أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتكون هذه الهيئات مسؤولة عن البرمجة، التسيير المالي، الصيانة، واستقطاب الأنشطة. كما أكد على ضرورة خضوع هذه الهيئات لتقارير دورية تضمن الشفافية، وتحمي المال العام، وتربط المردودية بالمحاسبة.
منظومة رقمية موحدة
وأضاف الخبير المغربي أن اعتماد نظام معلوماتي موحد ورقمي يعد خطوة أساسية، ويشمل هذا النظام منصة إلكترونية تسمح بحجز التذاكر، وتتبع الأنشطة، وكراء الفضاءات، وبيع المنتجات، وجمع معطيات الجمهور. وأكد أن "القرار الجيد ينبني على المعطيات الحية لا على التقديرات العامة".
وأشار الغنبوري إلى أهمية تطوير علامة تجارية لكل ملعب وربطها بهوية بصرية وتسويقية مستقلة، مما يمكن من تسويقه كمنتوج قائم بذاته.
كما أوضح أن فتح المجال أمام بيع حقوق التسمية والرعاية في إطار عقود طويلة الأمد يساهم في تمويل الاستغلال والصيانة.
خطة تسويق شاملة
وبخصوص الجانب التواصلي، أكد الغنبوري على ضرورة تبني خطة تسويق رياضي شاملة تستهدف مختلف الفئات، تتنوع بين الوسائل الرقمية والتقليدية، وتشمل الترويج عبر شبكات التواصل، وتنظيم حملات داخل المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني. وقال إن "الملعب يجب أن يتحول إلى وجهة مجتمعية يومية، لا مجرد مرفق ظرفي محدود الوظيفة".
وشدد الغنبوري على أهمية إبرام شراكات ذكية مع الاتحادات الرياضية، والجامعات، والأكاديميات الخاصة لتنظيم فعاليات متنوعة، علمية وثقافية، داخل الملاعب. وأكد أن "هذه الشراكات تعزز دينامية الملاعب وتخفف من التكاليف، وتساهم في توسيع الجمهور المستهدف".
من خلال هذه الرؤية الشمولية التي تقترح منظومة احترافية متعددة الأبعاد، يبدو أن الطريق نحو ملاعب مغربية أكثر استدامة وربحية ليس بعيدا، لكنه يتطلب إرادة سياسية، وتنسيقا مؤسساتيا، وتدبيرا ذكيا للموارد.