اقتصادكم
من المرتقب أن يشهد التبادل التجاري الإفريقي نموًا سنويًا في حدود 3,5% إلى غاية سنة 2033، ما يفرض على القارة الإسراع ببناء سوق داخلية قوية قادرة على الصمود أمام الصدمات الخارجية، وذلك عبر ربط الانفتاح التجاري بالتصنيع، وتطوير البنيات التحتية، وضمان إدماج عادل ومتوازن لمختلف المجالات الترابية.
في هذا السياق، توجد إفريقيا اليوم في موقع فريد، إذ بينما تتجه أغلب مناطق العالم نحو الانغلاق، تواصل القارة سعيها لفتح أسواقها، وهو خيار استراتيجي يفرض مضاعفة الجهود وتسريع وتيرة الإصلاحات. غير أن فتح الأسواق، حسب وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، دون تعزيز القدرات الإنتاجية، قد يحول منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF) إلى مجرد فضاء لإعادة توزيع الواردات، على حساب خلق القيمة المضافة محليًا.
ويرى مزور أن الرهان ليس صناعيًا فقط، بل بشري بالأساس، إذ إن نجاح الاندماج الإفريقي لن يتحقق بالنصوص وحدها، وإنما عبر الكفاءات والخبرات والقدرة على تعبئة الطاقات. فغياب المهندسين، واللوجيستيين، والتقنيين، وخبراء التجارة الدولية، من شأنه أن يجعل الاندماج مجرد تصور نظري. وشدد في هذا الإطار على أن إفريقيا تتوفر على الموارد والأفكار والكفاءات، وأن الاستثمار والطموح كفيلان بتحويل هذه الإمكانات إلى واقع.
من جهته، وسع كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، عمر حجيرة، أفق النقاش في وقت سابق من هذا الأسبوع، معتبرا أن ZLECAF ليست اتفاقا تجاريا تقليديا، بل مشروع تحول اقتصادي واجتماعي شامل. وأكد أن نجاحها رهين ببناء شراكات ملموسة، عادلة ومربحة للجميع، مع ضمان العدالة الترابية داخل القارة، تفاديًا لتعميق الفوارق بين الدول الساحلية والدول غير المطلة على البحر، أو بين الاقتصادات الصناعية وتلك الهشة.
وتهدف ZLECAF إلى رفع المبادلات التجارية البينية الإفريقية بنسبة 32%، في وقت لا تتجاوز فيه هذه المبادلات حاليًا 16% من إجمالي تجارة القارة، ما يجعل الاقتصاد الإفريقي شديد التأثر بالقرارات الخارجية والتقلبات الجيوسياسية والحمائية التجارية.
وقد أكدت الرسائل الصادرة عن المنتدى الثاني للأعمال الخاص بـ ZLECAF، المنعقد يومي 11 و12 دجنبر بمراكش، أن إفريقيا لم تعد تملك ترف انتظار استقرار النظام التجاري العالمي، بل بات لزامًا عليها تنظيم سوقها الداخلية وبناء استقلالها الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، يندرج المغرب ضمن رؤية استراتيجية واضحة، مدعومة بالتوجيهات الملكية السامية، تهدف إلى تعزيز موقعه كفاعل محوري وشريك استراتيجي في تقوية التعاون متعدد الأبعاد داخل القارة، كما أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش. وترتكز هذه الرؤية على قناعة مفادها أن منطقة التجارة الحرة لا يمكن أن تنجح دون بنى تحتية فعالة وقاعدة إنتاجية حقيقية، قادرة على تحويل الموارد الطبيعية إلى قيمة مضافة محليًا، وربط مختلف أقاليم القارة من المتوسط إلى الأطلسي، ومن الساحل إلى الواجهات البحرية.
وبدون تصنيع حقيقي واندماج مادي للأسواق، تحذر الرؤية المغربية، قد تظل ZLECAF مجرد إطار تجاري نظري، بعيد عن تحقيق التحول الاقتصادي المنشود.