اقتصادكم
ألهبت موجة الغلاء التي ضربت مدنا سياحية كبرى في المملكة جيوب الأسر، وتحولت إلى مادة دسمة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرين، الذين ما فتئوا يتداولون مقاطع فيديو ومنشورات توثق لفواتير مقاهي وحجوزات فنادق بمبالغ صادمة.
الخبر اليقين حمله المهاجرون المغاربة المقيمون في أوربا، الذين اختاروا بدورهم تمضية عطلة الصيف مع ذويهم بإحدى الوجهات المعروفة شمال المملكة. بالنسبة إلى يونس، المهاجر في الديار الإسبانية، الأمر يتجاوز منطق الصدمة، عندما يتعلق الأمر بأسعار أطباق مطاعم تضاعف نظيرتها في الجهة المقابلة من أوربا، مع التذكير بفرق القدرات الشرائية في الجهتين.
المضيق ومارينا سمير وطنجة وأصيلة والسعيدية والحسيمة وغيرها من الوجهات السياحية الداخلية، شهدت موجة غلاء غير مسبوقة، وضربت عرض الحائط جميع برامج تشجيع السياحة الداخلية وأرقام ومخططات واهداف خارطة الطريق السياحية 2030. الأمر تحول إلى "فانتازيا"، حسب منعم، صاحب نزل في مدينة أصيلة، معلقا بالقول، "كل صاحب فندق أو مطعم أصبح يفرض على الزائر السعر الذي يريده، أمام ارتفاع الإقبال، فهمهم الوحيد خرج عن الاستثمار في جذب زبناء دائمين، إلى منطق استغلال الفرصة وتحقيق الربح الآني، ومحاولة تعويض خسائر جائحة كورونا".
هذا الغلاء، الذي يتزامن مع تدهور الوضعية المالية للأسر، إذ تظهر أحدث أرقام المندوبية السامية للتخطيط تراجع قدرة 89.7 % منها على الادخار، دفع الكثير منها إلى البحث عن بدائل أقل كلفة. يتعلق الأمر بوجهات سياحية خارجية أصبحت تغري المغاربة بأسعارها وخدماتها وعروضها المتنوعة، مثل تركيا وإسبانيا واليونان ودول جنوب شرق آسيا والكاريبي، في سياق رحلات منظمة مع وكالات وطنية وأخرى دولية.
وبهذا الخصوص، يتحدث مراد سفاجي، وكيل أسفار في البيضاء، عن ميزانية لا تتعدى 20 ألف درهم بالنسبة إلى زوجين وطفل، لقضاء عطلة في إسبانيا، في الوقت الذي كانت نفقات التنقل والمبيت والتغذية ستلتهم 70 % من هذا المبلغ عند قضاء هذه العطلة بالمغرب.
الأمر لم يتوقف عند مواقع التواصل الاجتماعي للتعليق على الغلاء بالمناطق السياحية الوطنية، التي أصبح يعامل بها الزائر المغربي كسائح أجنبي، مطالب بتحمل زيادات تتجاوز في بعض الحالات سقف 50% من ثمن المنتوج أو الخدمة. الظاهرة بتجلياتها السلبية وصلت إلى البرلمان، حين سائل نائب برلماني عن فريق التقدم والاشتراكية فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، حول ارتفاع أسعار المطاعم والفنادق خلال العطلة الصيفية، في ظل معاناة الأسر من غلاء أسعار معظم المواد الاستهلاكية.
النائب البرلماني استغرب في سؤاله للوزيرة منطق التحجج بمبدأ حرية الأسعار، من أجل تبرير الزيادات غير معقولة في خدمات السياحة الداخلية، مطالبا إياها بالتدخل للحد من هذه الاختلالات، وإيجاد حلول مناسبة، لتشجيع المواطنين والمواطنات على السياحة الداخلية.
هذا الموقف نقل مجرد من كل تسييس، لما يموج في الشارع، إذ ضاقت الأسر ذرعا بمبررات أرباب المطاعم والفنادق بشأن الزيادات القياسية في أسعار المنتوجات والخدمات، حتى ان بعضها يتخذ شكلا تضامنيا مع المهنيين، الذين يعلقون أسباب تدهور أوضاعهم على غياب المواكبة والمساندة بعد تفشي جائحة كورونا، ما يترك المستهلك عرضة لمجموعة منم الخروقات تحت مسمى "حرية الأسعار والمنافسة" وقانون العرض والطلب.
من يحمي المستهلك؟
قال بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، "أن المواطنين يشتكون من ارتفاع الأسعار خلال الصيف، خاصة أن بعض المؤسسات السياحية، تغتنم فرصة ارتفاع الطلب عليها خلال هذه الفترة، من أجل رفع الأسعار لأكثر من 100%، وهذا ما يسمى بابتزاز السائح المغربي".
وشدد الخراطي في اتصال هاتفي مع "اقتصادكم"، على أن هذا الأمر من بين الأسباب التي تدفع الكثير من المواطنين إلى البحث عن وجهات أخرى واختيار وجهات خارج المغرب لقضاء العطلة الصيفية، مثل إسبانيا، بالنظر إلى انخفاض تكلفة السياحة والترفيه فيها مقارنة مع المغرب.
الفاعل في حماية المستهلك اعتبر أن الحكومة، تشجع السائح الأجنبي فقط على السياحة الداخلية، إذ يمكنه أن يقضي عطلته الصيفية بأحد الفنادق ابتداء بـ 400 أورو، عكس المواطن المغربي الذي تكلفه السياحة أضعاف المبلغ سالف الذكر.
وطالب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، الوزارة الوصية، بإحداث مؤسسة لمراقبة وتتبع كل المؤسسات التي تقدم الخدمات السياحية (مطاعم، فنادق ومنتجعات منتجعات)، داعيا الوزارة لتشجيع السائح المغربي على السياحة الداخلية .
"شيكات العطل"
أمام معضلة الغلاء وارتفاع الأسعار بالوجهات السياحية الصيفية، لم يجد لحسن حداد، وزير السياحة السابق، بدا من اللجوء إلى دعم القدرة الشرائية للأسر كحل جزئي لهذا المشكل، من خلال مشروع "شيكات العطل".
هذا المشروع الذي لم يرى النور، وظل حبيس رفوف وزارة السياحة، يقوم على مبدأ الانخراط والاقتطاعات، في افق المساعدة على بناء ميزانية مخصصة للأسفار وقضاء العطلة لفائدة الموظفين والأجراء، في محاولة لاحتواء ارتفاع تكاليف السياحة الداخلية.