المغرب في عامه السابع من الجفاف: سباق لتأمين الماء ورهان إدارة الطلب

الاقتصاد الوطني - 28-10-2025

المغرب في عامه السابع من الجفاف: سباق لتأمين الماء ورهان إدارة الطلب

اقتصادكم

 

يشهد المغرب عامه السابع على التوالي من الجفاف، وفي هذه المعركة الشرسة ضد ندرة المياه، تكثف الحكومة من مبادراتها وتسارع في تنفيذ استثمارات ضخمة، غير أن هذه الاستثمارات يجب أن تخدم إدارة الطلب على المياه كما تخدم تأمين العرض.

وقال نزار بركة، وزير التجهيز والماء، أمام مجلس المستشارين مؤخرًا:«ما نعيشه اليوم استثنائي بكل المقاييس. فعلى الرغم من سبع سنوات متتالية من الجفاف، نواصل سياسة بناء السدود، ونطور مشاريع تحلية مياه البحر، ونضاعف الحلول المحلية لضمان حصول كل مواطن، أينما كان، على ماء صالح للشرب وآمن».

ورغم أن الوضع المائي يبدو هذا العام أقل حدة، بانخفاض في التساقطات بنسبة 20% فقط مقارنة بـ 48% العام الماضي، إلا أن الواقع ما زال مقلقًا. فقد بلغت الواردات المائية لشهر شتنبر نحو 160 مليون متر مكعب فقط، في حين لم يتجاوز معدل ملء السدود 32%. وعلى مدى عشر سنوات، تعمق العجز المائي بنحو 60%، مما وضع السدود والفرشات المائية الجوفية تحت ضغط هائل.

استراتيجية الدولة: بين الاستمرار والتجديد

تشير مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2026 إلى تسريع تنفيذ البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي (PNAEPI). فمنذ الاستقلال، اعتمدت الاستراتيجية المائية الوطنية على بناء السدود لتخزين وتنظيم المياه السطحية، حيث يضم المغرب اليوم 156 سدًا كبيرًا بطاقة إجمالية تصل إلى 20,8 مليار متر مكعب.

لكن هذا النموذج التاريخي أظهر حدوده: فالأحواض تتعرض للتوحل بسرعة أكبر مما تمتلئ، وتناقص الأمطار جعل بعض المنشآت أقل إنتاجية. ومع ذلك، تواصل الحكومة المضي في طريقها، مستثمرًا بكثافة في مشاريع جديدة للتخزين والتحويل.

فقد شهد عام 2025 تدشين سد غيس (بإقليم الحسيمة) بسعة 93 مليون متر مكعب، كما يرتقب الانتهاء من سدود كدية بورنة (سيدي قاسم)، وبني عزيمن (الدريوش)، وسيدي عبّو (تاونات)، بإجمالي سعة تصل إلى 256 مليون متر مكعب. إضافة إلى ذلك، يجري بناء 14 سدًا جديدًا، وبرمجة 11 آخر للفترة 2025-2027.

وبالتوازي، تراهن الوزارة أيضًا على السدود الصغرى، إذ يجري الإعداد لـ 155 سدًا تليًا بكلفة إجمالية تبلغ 6,2 مليارات درهم، تم إطلاق 50 سدًا منها بالفعل. وتهدف هذه المنشآت إلى تأمين إمدادات المناطق القروية بالماء، وحماية القرى من الفيضانات، وتعزيز المياه المخصصة للري وتربية الماشية.

لكن بعض الخبراء يرون أن بناء السدود في بلد يشهد تراجعًا متواصلًا في التساقطات، يعني تعبئة موارد مالية ضخمة مقابل عوائد مائية غير مضمونة. ويؤكد هؤلاء أن المغرب مطالب اليوم بالاستثمار في إدارة الطلب بقدر استثماره في تأمين العرض.

وقال الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي: «علينا معالجة أصل الداء. إلى حدود الساعة، ركزت السياسة المائية على جانب العرض: بناء السدود، تطوير أنظمة الري، إنشاء محطات معالجة المياه… ثم انتظار المطر. لكن تبين أن العرض كان دومًا غير مضمون، ومع التراجع الحاد والمتزايد في الموارد المائية، أصبحت السدود شبه فارغة».

وتكتسي هذه الملاحظة أهمية خاصة في ضوء ما جاء في مشروع قانون المالية 2026، الذي يركز على ثلاثة محاور رئيسية أبرزها تعزيز العرض المائي، تنفيذ إجراءات استعجالية، ترشيد استهلاك المياه عبر سياسات موجهة نحو التحكم في الطلب.

ويشكل الربط المائي بين الأحواض محورًا أساسيًا في الاستراتيجية الجديدة، فقد مكن المشروع العاجل لربط حوضي سبو وبورقراق، الذي أُنجز سنة 2023، من نقل نحو 871 مليون متر مكعب من المياه نحو الرباط والدار البيضاء وعدة مناطق قروية.

وتجري دراسات لإطلاق مشاريع تحويل كبرى بين الأحواض، مثل الربط بين وادي لاو والعرائش/اللوكوس ووادي أم الربيع. وتهدف هذه الشبكات إلى استغلال نحو مليار متر مكعب من المياه المهدورة، وخلق نظام وطني متكامل يوزّع الموارد بعدالة ويعزز مرونة الأحواض الفقيرة بالمياه.

واعتبر الوزير نزار بركة أن هذا يمثل تحولًا حقيقيًا في النموذج المغربي: فبعد عقود من "التضامن المائي"، الذي كانت فيه الأحواض تتقاسم مواردها، يتجه المغرب نحو مفهوم جديد هو "العدالة المائية".
فالمدن الساحلية الكبرى، التي تعتمد على تحلية مياه البحر، تُحرّر موارد السدود لتزويد المناطق الجبلية والقروية. وقد استفادت حتى الآن 45 جماعة قروية من هذا التوزيع الجديد دون تأثير ملحوظ على فواتير الماء.

التحلية: رهان المستقبل

في هذا الإطار، دخل المغرب مرحلة التحول نحو تحلية مياه البحر، ففي ظرف ثلاث سنوات، ارتفعت القدرة الوطنية من 30 إلى 320 مليون متر مكعب سنويًا، لتزويد حوالي 5 ملايين مواطن.

ويمثل مشروع تحلية مياه الدار البيضاء، الجاري إنجازه، رمز هذا التحول؛ إذ من المقرر أن تبلغ قدرته 200 مليون متر مكعب سنويًا، ليكون من أكبر محطات التحلية في إفريقيا، وسيلبي نصف احتياجات العاصمة الاقتصادية من الماء الشروب بحلول 2026.

وعلى المدى الطويل، من المنتظر أن يغطي التحلية أكثر من 60% من الحاجيات الوطنية من المياه الصالحة للشرب، وتُبنى حاليًا محطات في الناظور، طنجة، سوس، طانطان، كلميم، والرباط، إضافة إلى محطة الداخلة المرتقب تشغيلها في 2025. ومن المتوقع أن تصل القدرة الإجمالية للتحلية إلى 1,7 مليار متر مكعب سنويًا بحلول 2030، لتغطي حاجيات نحو 24 مليون مغربي.

حلول مؤقتة ووعي ضروري

وفي انتظار نتائج هذه المشاريع الكبرى، تنفذ الحكومة حلولًا مؤقتة لتفادي نقص المياه وتأمين التزويد بالماء الشروب، خاصة في المناطق الهشة.فقد خُصصت برامج استعجالية خلال 2023 و2024 بميزانية 9,32 مليارات درهم، لضمان إمداد منطقة طنجة الكبرى بالماء وتأمين خط نقل المياه المحلاة بين محطة OCP في الجرف الأصفر. كما تم تشغيل 110 محطات متنقلة لمعالجة وتحلية المياه في مختلف مناطق المملكة.

وفي الختام، يعتمد استدامة النموذج الجديد على ترشيد استهلاك المياه، وتوسيع إعادة استعمال المياه المعالجة، وتعزيز وعي المواطنين والمؤسسات بندرة الموارد المائية.