اقتصادكم
تلعب ثلاثة عوامل رئيسية دور المحفزات لإحداث قفزة باستثمار القطاع الخاص المحلّي والأجنبي في المغرب، تتمثل بالبنية التحتية، والمناطق الصناعية، والقوانين التي تقدّم تحفيزات مالية وضريبية للمشاريع الاستثمارية. ويدعمها خلق آليات تمويل مساندة مثل "صندوق محمد السادس للاستثمار" بحجم 14 مليار دولار.
وخلال العقدين الماضيين، استثمرت المملكة بشكل كبير في تطوير البنية التحتية، حتى أصبحت حصة الاستثمارات الحكومية تمثل الثلثين من إجمالي الاستثمارات التي تُضخُّ في البلاد سنوياً، فيما يكتفي القطاع الخاص بحصة الثلث.
وأشار بدر الزاهر الأزرق، الخبير الاقتصادي، في تصريح لـ"بلومبرغ الشرق" إلى أنَّ "الاستثمارات الحكومية خلال العقدين الماضيين تمثل حصة الأسد، لكنَّ توجه اليوم يقوم على فتح المجال بشكل أكبر للقطاع الخاص ليقود القاطرة، لتخفيف العبء على ميزانية الدولة".
وخلال السنة الماضية، اعتمد المغرب ميثاق الاستثمار الجديد بهدف رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي بحلول 2035، من خلال إغراء المستثمرين الأجانب، ودعم الشركات المحلية على التطوير وتنويع الأنشطة.
وبلغ صافي الاستثمار الأجنبي المباشر سنة 2022 حوالي 20.9 مليار درهم (2.1 مليار دولار)، وهو رقم لم يتغير كثيراً في السنوات الأخيرة، وتتصدر فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والإمارات قائمة المستثمرين الأجانب في المملكة.
ومنذ بداية الألفية، أطلق المغرب "سياسة الأوراش الكبرى" التي ترتكز على تطوير البنيات التحتية من طرق سريعة وموانئ ومطارات وخطوط السكك الحديدية، بهدف خلق مناخ جذاب للاستثمارات. ويمثل احتلال ميناء "طنجة المتوسط" المرتبة الأولى أفريقياً ومتوسطياً نموذجاً لنجاح المملكة على هذا الصعيد، ناهيك عن إطلاق أول خط قطار فائق السرعة في أفريقيا قبل 4 سنوات.
ويقول رشيد أوراز، باحث رئيسي في معهد الشرق الأوسط واشنطن من جهته، في تصريح لـ"بلومبرغ الشرق"، "تكاد كل التحليلات الاقتصادية تتفق على أنَّ البنية التحتية القوية التي تسهل الولوج إلى الموارد الطبيعية والأسواق من العوامل المحفزة للاستثمار، سواء تعلق الأمر بالاستثمار المحلي أو الأجنبي".
"طنجة المتوسط" ليس بنية مينائية موصولة بأكثر من 186 ميناءً عالمياً فقط، بقدرة استيعابية تصل إلى 9 ملايين حاوية، و7 ملايين راكب، و700 ألف شاحنة ومليون سيارة، بل هو قطب صناعي أيضاً لأكثر من 900 شركة نشيطة في مجالات مختلفة من صناعات السيارات والطائرات والنسيج واللوجستيات والخدمات.
أوراز لفت إلى أنَّ المغرب "أولَى الاهتمام بشكل خاص بالموانئ والطرق السيارة وتطوير خطوط السكك الحديدية، وهي كلها تحفز الاستثمار، لكن لا يجب أن نغفل أنَّ تحسين القوانين، وحماية الملكية الخاصة للمستثمرين، وتوفير مؤسسات اقتصادية تحمي حقوقهم تعد أيضاً من بين الشروط التي لا تقل أهمية".
تمتد الطرق السيارة بالمغرب على طول 1800 كيلومتر، فيما يصل عدد الموانئ إلى 39 ميناء، وحوالي 18 مطاراً دولياً تؤمن رحلات جوية منتظمة نحو أهم مدن وعواصم العالم.
أما خطوط السكك الحديدية؛ فهي بنية تحتية بدأ تطويرها منذ عام 1916، وشهدت تجديداً مستمراً ليصل طولها اليوم إلى أكثر من 2000 كيلومتر، وتُعد المملكة أول بلد أفريقي سباق لإطلاق القطار الفائق السرعة بنحو 320 كيلومتراً في الساعة، ويربط بين مدينتي طنجة والدار البيضاء، المحور الاقتصادي المهم في البلاد.
منذ دخول ميثاق الاستثمار الجديد حيز التنفيذ العام الجاري؛ صادقت الحكومة على مقترحات مشروعات من القطاع الخاص بقيمة تتجاوز 4 ملايير دولار، فيما تجري دراسات لمشروعات استثمارية أخرى بقيمة 11.7 مليار دولار.
تستهدف المشروعات المصدّق عليها في إطار الميثاق قطاعات جديدة مثل نقل الكهرباء والطاقات المتجددة، إلى جانب قطاعات تقليدية زادت أهميتها خلال السنوات الأخيرة مثل الصناعات الغذائية والدوائية، بالإضافة إلى تحلية مياه البحر.
مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، صرح ردّاً على سؤال خلال الندوة الصحافية الأسبوعية، أنَّ "المغرب يعطي الأولوية للمشروعات الكبيرة في المجالات التي تهم ضمان الأمن الطاقي والمائي والغذائي والصحي، كما يتم الأخذ بعين الاعتبار معيار إحداث مناصب الشغل".
المسؤول الحكومي المغربي نوّه بأنَّ "الميثاق الجديد للاستثمار يتيح نفس التحفيزات للمستثمرين الأجانب والمحليين"، ويمكن أن يصل دعم الحكومة إلى حوالي 30% من إجمالي الاستثمار المقترح، وقد يتجاوز ذلك في حال كان إجمالي الاستثمار يساوي أو يفوق 200 مليون دولار.
لمواكبة هذا التوجه، أطلق المغرب صندوق محمد السادس للاستثمار بهدف جمع تمويلات بقيمة 14 مليار دولار لتمويل المشروعات الاستثمارية الكبرى في إطار شراكات مع القطاع الخاص، كما سيدخل الصندوق في رأسمال الشركات الصغرى والمتوسطة، ويمنح القروض للشركات النشيطة في القطاعات ذات المردودية العالية.
وأقرّت المملكة ضخ استثمارات حكومية بما يوازي 22 مليار دولار خلال السنة الماضية، وزاد الرقم إلى 28 مليار دولار في ميزانية العام الجاري، وهي الأعلى على الإطلاق في مسعى لدعم الاقتصاد عقب جائحة كورونا، لكن هذه الحصة يتوقَّع أن تنخفض على المدى المتوسط مع تقدّم حصة الاستثمار الخاص.
أنتهج المغرب في العقدين الماضيين سياسة المناطق الصناعية، وهي عبارة عن مجمعات صناعية توفر العقار للاستثمار الصناعي بأسعار تنافسية، وتخضع لإطار قانوني وضريبي خاص، كما تتيح للمستثمرين القيام بكل الإجراءات لإنشاء الشركات عبر نافذة واحدة في المكان نفسه.
بحسب أرقام وزارة الصناعة والتجارة؛ يضم المغرب أكثر من 150 منطقة صناعية في مختلف المدن بمساحة تناهز 12 ألف هكتار. وأعلنت الحكومة مؤخراً عن خلق مناطق أخرى في الجهات النائية لتحقيق توازن تنموي وتخفيف الضغط على المدن الاقتصادية الكبرى.
إدريس الفينا، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، يَعتبر أنَّ "المغرب يستفيد من بنيته التحتية المتطورة والمناطق الصناعية المتوفرة، ناهيك عن ميزة الاستقرار السياسي والموقع الجيو-استراتيجي بحيث يُشكّل بوابة القارة الأفريقية، وعلى مقربة من سوق الاتحاد الأوربي".
ترتبط المناطق الصناعية بشبكة السكك الحديدية والطرق السريعة، ناهيك عن استفادة المستثمرين فيها من إعفاءات ضريبية في السنوات الأولى، وهي آلية لتشجيع الاستثمار المنتج لأنَّ الإعفاء يأخذ بعين الاعتبار القيمة المضافة، وعدد مناصب الشغل المحدثة.
تطوُّر المنظومة الصناعية عامل مهم في جذب الاستثمارات، ويشير الخبير الاقتصادي بدر الأزرق إلى منظومة صناعة السيارات التي تطورت في منطقتين صناعيتين في المغرب، وأصبحت اليوم تضم أكثر من 250 شركة، وبفضل ذلك أصبح هذا القطاع يقود صادرات المملكة بما قيمته 11.4 مليار دولار، وفق الأرقام الرسمية للعام الماضي، والرهان هو تعميم هذا النجاح نحو قطاعات أخرى.